المسيحيون في العالم الإسلامي

الديانة المسيحية وأتباعها في العالم الإسلامي

تترواح أعداد المسيحيين في العالم الإسلامي بين 139-144 مليون حسب جدول مركز بيو للأبحاث؛ وبين 153 مليون إلى 230 مليون حسب إحصائيات أخرى.[1][2][3] بعيد القرن السابع بنتيجة التحولات الهامة في الشرق الأوسط ممثلة ببروز الإسلام؛ أضحى مهد المسيحية التاريخي، جزء من العالم الإسلامي، واليوم يحوي العالم الإسلامي طوائف مسيحية ذات تقاليد مسيحية قديمة وعريقة، فضلًا عن ذلك يحوي العالم الإسلامي ثلاثة بطريركيات تاريخية وهي كل من بطريركية القسطنطينية المسكونية وبطريركية أنطاكية وبطريركية الإسكندرية.

.كنيسة مارمرقس القبطية، تعد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إحدى أكبر التجمعّات المسيحية في العالم الإسلامي.

يقيم القرآن نظامًا خاصًا لليهود والمسيحيين ويدعوهم أهل الكتاب، ويقر بوجودهم في المجتمع الإسلامي،[4] اليوم يتوزع مسيحيو العالم الإسلامي على كافة المذاهب المسيحية من الكاثوليكية والأرثوذكسية الشرقية والمشرقية وكنيسة المشرق الآشورية والكنائس البروتستانتية.

أكبر التجمعات المسيحية في العالم الإسلامي

لا توجد إحصائيات أو دراسات دقيقة حول أعداد المسيحيين في العالم الإسلامي؛ حسب جدول معهد بيو لأعداد المسيحيين حسب البلد وُجد أنّ أعداد المسيحيين في الدول ذات الأغلبيّة المسلمة تتراوح بين 139-144 مليون نسمة (بسبب صعوبة تحديد عدد المسيحيين في مصر، وبسبب غياب التعددات الرسميّة التي أخذت بعين الاعتبار البعد الطائفي تتراوح أعداد المسيحيين في مصر بين 4-8 مليون)؛[5] وبحسب دراسات أخرى بين 153 مليون إلى 230 مليون نسمة. كما ويشكل مسيحيي نيجيريا حوالي 55% من مجمل مسيحيين العالم الإسلامي ويشكل مسيحيين أندونيسيا أكثر من 15% من مجمل مسيحيين العالم الإسلامي.

حسب تقرير نشرته معهد بيو في 22 يونيو سنة 2015، حول ثاني أكبر الأديان بحسب دول العالم؛ تبيّن أنّ المسيحية تأتي في المركز الثاني كأكبر الأديان المعتنقة في 39 دولة من أصل 50 دولة ذات أغلبية مسلمة.[6] وبالمقابل تأتي المسيحية في المركز الثالث كأكبر الأديان المعتنقة في إحدى عشرة دولة ذات أغلبيّة مسلمة وهي: مالي (في المركز الثاني الأديان الأفريقية التقليدية)،[6] وموريتانيا (في المركز الثاني الأديان الأفريقيّة التقليدية)،[6] والصحراء الغربية (الإلحاد واللادينيّة في المركز الثاني)،[6] والجزائر (الإلحاد واللادينيّة في المركز الثاني)،[6] والصومال (الإلحاد واللادينيّة في المركز الثاني)،[6] واليمن (الإلحاد واللادينيّة في المركز الثاني)،[6] وتركيا (الإلحاد واللادينيّة في المركز الثاني)،[6] وإيران (البهائية في المركز الثاني)،[6] وباكستان (الهندوسية في المركز الثاني)،[6] وبنغلاديش (الهندوسية في المركز الثاني)[6] وماليزيا (البوذية في المركز الثاني)،[6]

حسب إحصائيات جدول معهد بيو سنة 2010 تتواجد أكبر التجمعات المسيحيّة في العالم الإسلامي في:

مرتبةدولةعدد المسيحييننسبة المسيحيين[7]المذهب السائد[8]
1  نيجيريا78,050,000 [9]48.2%بروتستانتية
2  إندونيسيا23,660,0008.8%بروتستانتية ثم كاثوليكية
3  مصر8,100,000-4,290,00010.0%-5.3%أرثوذكسية مشرقية
4  تشاد4,560,00040.0%-34.0%كاثوليكية ثم بروتستانتية
5  كازاخستان4,150,00026.2%أرثوذكسية شرقية
6  بوركينا فاسو3,710,00022.5%كاثوليكية
7  باكستان2,750,0001.6%بروتستانتية ثم كاثوليكية
8  ماليزيا2,670,0009.4%كاثوليكية؛ بروتستانتية
9  السودان1,810,0005.4%كاثوليكية ثم بروتستانتية
10  سوريا1,800,00010.0%أرثوذكسية شرقية ثم كاثوليكيّة شرقيّة
11  لبنان1,620,00038.3%كاثوليكيّة شرقيّة
12  السعودية1,500,0004.4%كاثوليكية
13  سيراليون1,230,00020.9%بروتستانتية ثم كاثوليكيّة
14  ألبانيا1,118,000-580,000 [10]35.0%-18.0%كاثوليكية ثم أرثوذكسية شرقية
15  غينيا1,090,00010.9%كاثوليكية
16  الإمارات العربية المتحدة940,00012.6%كاثوليكية
17  أوزبكستان630,0002.3%أرثوذكسية شرقية ثم بروتستانتية
18  قيرغيزستان610,00011.4%أرثوذكسية شرقية
19  مالي490,0003.2%كاثوليكية
20  السنغال450,0003.6%كاثوليكية
21  الكويت390,00014.3%كاثوليكيّة
22  المغرب380,000 [11]1.1%كاثوليكية ثم بروتستانتية
23  تركمانستان320,0006.4%أرثوذكسية شرقية
24  تركيا320,0000.4%أرثوذكسية مشرقية
25  إيران300,000 [12]0.2%أرثوذكسية مشرقية
26  أذربيجان280,0003.0%أرثوذكسيّة شرقيّة
27  بنغلاديش280,0000.2%بروتستانتيّة
28  العراق270,0000.8%كاثوليكيّة شرقيّة؛ بروتستانتية
29  قطر240,00013.8%كاثوليكية
30  كوسوفو240,00011.4%أرثوذكسية شرقية
31  الجزائر190,000 [13]0.2%بروتستانتية
32  البحرين180,00014.5%كاثوليكية
33  عُمان180,0006.5%كاثوليكيّة
34  ليبيا170,0002.7%كاثوليكية ثم أرثوذكسية مشرقية
35  الأردن130,0002.2%أرثوذكسية شرقية
37  النيجر120,0000.8%بروتستانتية
38  طاجيكستان110,0001.6%أرثوذكسية شرقية
39  فلسطين100,0002.4%أرثوذكسية شرقيّة
40  بروناي40,0009.4%كاثوليكية ثم بروتستانتية
41  غامبيا40,0004.5%كاثوليكية
42  اليمن40,0000.2%بروتستانتية
43  تونس35,000[14]0.3%كاثوليكيّة ثم بروتستانيتة ثم أرثوذكسية شرقية[14]
44  أفغانستان30,0000.1%بروتستانتية
45  جيبوتي20,0002.3%كاثوليكية
46  جزر القمر15,0000.5%بروتستانتية ثم كاثوليكية
47  موريتانيا10,000[15]0.3%كاثوليكية؛ بروتستانتية
*  مايوت6,3793.0%بروتستانتية
*  قبرص الشمالية3,0001.0%أرثوذكسية شرقية
48  الصومال1,0000.1%بروتستانتية ثم أرثوذكسية مشرقية
49  جزر المالديف3000.08%كاثوليكية ثم بروتستانتية
50 الصحراء الغربية2000.03%كاثوليكية

المسيحيون حسب المناطق

الشرق الأوسط

كاتدرائية مار إلياس المارونية تتوسط الحي المسيحية في حلب وقد بنيت عام 1876.

المسيحية في الشرق الأوسط تواجدت منذ نشأتها بسبب كون الشرق الأوسط مهد المسيحية، وكانت هي الديانة الرئيسية في المنطقة منذ القرن الرابع وحتى الفتوحات الإسلامية. اليوم المسيحيين تصل نسبتهم إلى 5% مقارنة ب20% في أوائل القرن العشرين.[16] ويعود ذلك بسبب عوامل منها انخفاض معدلات المواليد مقارنة مع المسلمين والهجرة واسعة النطاق بسبب الاضطهادات ومعاداة المسيحية، حيث نشط المغترب المسيحي الشرق أوسطي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وتسارع مع نوائب القرنين العشرين والحادي والعشرين أبرزها غزو العراق، فهو ممتد من أستراليا إلى أوروبا وأمريكا الشمالية ونظيرتها الجنوبية.

ويتنوع مسيحيي الشرق الأوسط عرقيًا ومذهبيًا، فيعيش مسيحيين عرب سواءً عن طريق النسب العربي أو بحكم انتشار العروبة كلغة وثقافة وهوية، بالإضافة أيضًا إلى الوجود التاريخي لكل من السريان والأرمن واليونانيون.

وتشكل مصر أكبر تجمّع داخل الشرق الأوسط في حين يشكل لبنان التجمع الأعلى من حيث النسبة؛ هناك تواجد ملحوظ للمسيحيين في سوريا والأردن وفلسطين والعراق كما تضم بعض البلدان المجاورة مثل تركيا وإيران تجمعات من المسيحيين، كما ويوجد أكثر من مليوني مسيحي في جنوب السودان، لكن لا يحسب هؤلاء ضمن سكان الشرق الأوسط.

حاليًا، فإن الطوائف المسيحية في الشرق الأوسط، يأتي على رأسها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي تصنف ضمن عائلة الكنائس الأرثوذكسية المشرقية وتعتبر القاهرة مقرًا لها وتنتشر في مصر على وجه الخصوص، يليها الكنيسة المارونية ومقرها بكركي قرب بيروت ويشكل لبنان ثقلها الأساسي، وأتباعها ثاني أكبر طائفة مسيحية وهي ضمن عائلة الكنيسة الكاثوليكية، أما في الدرجة الثالثة يأتي الروم الأرثوذكس الموزعين على ثلاث بطريركيات في أنطاكية والقدس والإسكندرية، ومقر بطريركية أنطاكية في دمشق وفي سوريا يشكل أتباع هذه الطائفة أكثر من نصف المسيحيين وفي فلسطين والأردن أيضًا يشكلون أغلبية المسيحيين الساحقة وهذه الكنيسة مصنفة ضمن عائلة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية. تليها كنيسة الروم الكاثوليك ولها ثقل في سوريا سيّما في حلب ومرمريتا وفي لبنان سيّما في زحلة.هناك أيضًا بطريركية اللاتين في القدس التي تتبع الطقس الروماني الكاثوليكي وينتشر أتباعها في فلسطين والأردن ومصر، وهناك أيضًا لاتين في سوريا وفي لبنان. هناك أيضًا عدة طوائف أقلويّة مثل كنيسة الأقباط الكاثوليك والأقليات البروتستانتية والإنجليكانية في جميع دول بلاد الشام والعراق ومصر. أما أكبر كنيسة في العراق فهي الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ومقرها ببغداد تليها كنيسة المشرق الآشورية بالإضافة إلى تواجد للكنيسة السريانية الأرثوذكسية والسريانية الكاثوليكية. بالإضافة إلى كنيسة الأرمن الأرثوذكس وهي ضمن عائلة الكنائس الأرثوذكسية المشرقية وتشكل أكبر تجمع مسيحي في إيران وتركيا.

مواقع مسيحية في الشرق الأوسط

الخليج العربي

الكنيسة الإنجيلية في دبي، الإمارات العربية المتحدة.

تبين مصادر التاريخ الكنسي دخول المسيحية إلى شبه الجزيرة العربية من أحد السبعين رسول. وقد ذكر مؤرخون من أمثال روفينوس وهيرويزوس أن متى هو مبشر اليمن والحبشة،[17] وبينتانوس الفيلسوف ترك الإسكندرية في القرن الثاني وتوجه نحو اليمن مبشرًا كما قال أوسابيوس، وربما ظلّت المسيحية خلال المرحلة الأولى في المناطق الساحلية متأثرة بمواكب التجارة البيزنطية،[18] وقد أنقسم مسيحيون شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام بين النسطورية واليعقوبية.

اليوم يعيش حوالي 3 ملايين مسيحي في دول الخليج العربي تخدمهم ثلاثون كنيسة،[19] ويتوزعون على الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية الشرقيَّة والمشرقيَّة والبروتستانتية، وهم متنوعون من ناحية إثنية فمنهم آسيويون ومن أوروبا والأمريكيتين ومن بلاد الشام ومصر ومن العرب من السكان المحليين.

يتوزع المسيحيون في شبه الجزيرة العربية كالآتي:

تصل أعداد المسيحيين الذين يحملون الجنسية البحرينية إلى حوالي 1,000 نسمة يتوزعون على 80 عائلة بحرينية.[20] ويوجد بين المواطنين في الكويت حوالي 200 مواطن مسيحي [21] وتبلغ أعداد الطائفة المسيحية بين الوافدين والأجانب نصف مليون مسيحي.[22]

المغرب العربي

كاتدرائية نوتردام أفريقيا بالجزائر.

دخلت المسيحية في شمال أفريقيا في العصر الروماني. شهدت تراجع في الفترة الفوضوية بسبب الغزوات، لكنها عادت بقوة في العصر البيزنطي حيث تعتبر المنطقة مسقط رأس القديس أوغسطينوس وهو وأحد آباء الكنيسة البارزين والعديد من باباوات الكنيسة الكاثوليكية، ثم بدأت تختفي بالتدريج بعد الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي.[23] أنتجت المغرب العربي العديد من الشخصيات الذين كان لهم تأثير كبير في العالم المسيحي، بما في ذلك أوغسطينوس، وأوريجانوس، وترتليان، وقبريانوس القرطاجي ومرسيلوس من طنجة؛ فضلًا عن ثلاثة بابوات للكنيسة الكاثوليكية البابا فيكتور الأول، وملتيادس وغاليليوس الأول فضلًا عن شخصيات من الكتاب المقدس مثل سمعان القوريني والخصي الإثيوبي الذي عمّد بواسطة فيليب الإنجيلي.

خلال مرحلة العهد العسكري (1830 ـ 1870) والاستيطان في العهد المدني (في الشمال أساسًا) (1870 ـ 1900) وذلك خلال الاستعمار الفرنسي على الجزائر والمغرب وتونس اعيد احياء المسيحية في شمال أفريقيا عامًة والجزائر خاصًة، مع قدوم عدد كبير من المستوطنين والمهاجرين الأوروبيين والذين أطلق عليهم لقب الأقدام السوداء، أغلبيتهم انحدر من أصول فرنسية أو إيطاليَّة أو إسبانيَّة أو مالطية وحتى من أوروبا الشرقية، وانتمى أغلبهم إلى الكنيسة الكاثوليكية مع وجود لأقلية كبيرة بروتستانتية، انتعشت المسيحية في الجزائر فبنيت الكنائس والمدارس والمؤسسات المسيحية وأعيد تأسيس أبرشية كاثوليكية عام 1838، ودخل عدد من السكان المحليين المسلمين إلى المسيحية. وعقب استقلال دول شمال أفريقيا هاجرت اعداد كبيرة من مسيحيين المغرب العربي مع تعرضهم لموجات العنف. غداة الاستقلال بعد 5 يوليو 1962 قدّرت أعداد المسيحيين في الجزائر بحوالي 1.4 مليون نسمة، في حين قدّرت أعداد الكاثوليك في المغرب عشيّة الاستقلال بحوالي 550,000 نسمة، و250,000 مسيحي في تونس؛ فضلًا عن 140,000 مسيحي في ليبيا. عقب استقلال دول المغرب العربي هاجرت اعداد كبيرة من مسيحيين المنطقة مع تعرض المنطقة لموجات العنف، وبسبب التأميمات التي تعرضوا لها.[24]

كنيسة القديس أندرو الإنجليكانيّة في مدينة طنجة؛ وهي مبنيّة على الطراز المعماري الطراز المغربي الإسلامي.

اليوم في دول المغرب العربي تتواجد تجمعات من المسيحيين القسم الأكبر منهم من ذوي الاصول الأوروبية ممن سكنوا ابان الاستعمار ويتجمعون في العواصم أو المدن الكبرى، ومسيحيو هذه المناطق من الكاثوليك ويوجد لكل من تونس والجزائر والمغرب أبرشية خاصة، إلى جانب بعض البروتستانت، بينما الكنيسة القبطية هي الأكبر عددًا في ليبيا، وهناك أيضًا مجموعات من المسيحيين المواطنين في هذه الدول اعتنقت المسيحية وهي إما عربية أو أمازيغية، وقد قدّر عددها في المغرب عام 2006 حوالي 7 آلاف شخص، إلا أن الدولة لا تعترف على التحوّل الديني، كما أنه في المغرب لا يجوز طباعة أو نشر أو استيراد الكتاب المقدس باللغة العربية.[25] في حين وحسب إحصائيات أخرى يتراوح عدد معتنقو المسيحية خاصًة المذهب البروتستانتي في الجزائر بين 100,000 إلى 150,000.[13] وقدّرت دراسة تعود لعام 2015 عدد المسلمين المتحولين للديانة المسيحية في الجزائر بين السنوات 1960-2015 بحوالي 380,000 شخص.[26]

يتكون المجتمع المسيحي المغربي الذي يشكل حوالي 1.1% من نسبة السكان أي حوالي 380,000 وذلك طبقًا لتقديرات عام 2009. من كنيستين رئيسيتين وهي الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والبروتستانتية. معظم المسيحيين يقيمون في الدار البيضاء والمناطق الحضرية مثل الرباط.[27] القسم الأكبر من مسيحيي المغرب هم من ذوي الأصول الأوروبية خصوصًا الفرنسيّة والإسبانيّة ممن سكنوا ابان الاستعمار، بالإضافة إلى سكان محليين من أصول مسلمة وغالبًا ما يمارسون شعائرهم الدينية بسرية وبكنائس خاصة فيهم وأغلبهم اعتنق البروتستانتية بشكل خاص.[28] حيث أشارت أشارت عدد من الصحف إلى تحول بين 25,000 إلى 45,000 مغربي للمسيحية في السنوات الأخيرة.[29]

في عام 2009، أحصى مكتب الأمم المتحدة حوالي 45,000 من أتباع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية القسم الأكبر منهم من ذوي الأصول الأوروبية ممن سكنوا البلاد إبّان الإستعمار ويتركزون في العاصمة والمدن الكبرى و10,000 من البروتستانت من ذوي الأصول الأوروبية في الجزائر؛ في حين تقدر العديد من الإحصائيات المختلفة عدد البروتستانت في الجزائر بين 100,000[30]-150,000؛ القسم الأكبر منهم من أصول جزائرية عربيّة أو أمازيغيّة مُسلمة.[13]

تتراوح أعداد المواطنين المسيحيين التوانسة بين 30,000 نسمة[31][32][33] إلى 35,000 نسمة،[14] وهم الناطقون بالعربية وأيضاً من المنحدرين من أصول أوروبية، وينتشر المسيحيين التوانسة في جميع أنحاء تونس.[34] يأتي الكاثوليك في المقدمة مع 30,700 مواطن كاثوليكي عام 2017،[35] في حين وفقاً لتقرير صحيفة «لا ستامبا» عام 2015 تصل أعداد الكاثوليك في تونس إلى حوالي 40,000 نسمة،[36] كما أنّ أغلبية الكاثوليك هم من المنحدرين من أصول إيطالية ومالطية وفرنسية ممن استوطنوا تونس إبّان الإستعمار. وتشرف عليهم أسقفية تونس والتي يرأسها المطران مارون لحام، تملك الكنيسة الكاثوليكية 12 كنيسة و9 مدارس والعديد من المكتبات والعيادات. بالإضافة إلى الخدمات الدينية فالكنيسة الكاثوليكية تفتح الأدير وتنظم الأنشطة الثقافية بحرية، وتنفذ الأعمال الخيرية في جميع أنحاء البلاد. أشار مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل للولايات المتحدة إلى وجود الآف التوانسة تحولوا إلى المسيحية.

في ليبيا ابان الاحتلال الإيطالي للبلاد وقد وصلت أعدادهم إلى 140,000 قبل الاستقلال، وكانت أكبر جالية كاثوليكية هي المنحدرة من ليبيون إيطاليون، وانقرضت تلك الجالية تدريجيا مع طرد بقايا الاستعمار في بداية السبعينيات. أما حاليًا تعتبر الجالية الأرثوذكسية القبطية أكبر الجاليات المسيحية الديانة في ليبيا وأغلبهم من العمالة المصرية الوافدة، ويبلغ عدد أقباط ليبيا حوالي 160,000،[37] ويشمل هذا العدد تابعي الكنيسة الروسية الأرثوذكسية والكنيسة الصربية الأرثوذكسية والكنيسة اليونانية الأرثوذكسية ويقدر عددهم بحوالي 60,000.

آسيا الوسطى

كنيسة مسيحية في طشقند، أوزبكستان.

المسيحية هي الديانة الثانية من حيث عدد الأتباع في آسيا الوسطى، والكنيسة الروسية الأرثوذكسية هي أكبر الكنائس المسيحية في المنطقة، وتعد الطائفة المسيحية الأكثر نفوذًا وعددًا في كافة بلدان آسيا الوسطى. تضم دول آسيا الوسطى أي كل من أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وطاجكستان وقيرغيزستان؛ حوالي 5.8 مليون مسيحي.

أكبر عدد من المسيحيين يتواجد في كازخستان حيث يقطن فيها 4.1 مليون مسيحي، ومن ثم قيرغيزستان التي تحوي مليون مسيحي. فضلًا عن تركمانستان وتعد الكنيسة الروسية الأرثوذكسية إلى حد كبير أكبر الطوائف المسيحية.[38][39]

عمومًا علاقة المسيحيين والمسلمين تتسم بالوئام. وذلك على الرغم من أن الحكومات مثل حكومة أوزبكستان في كثير من الأحيان تمارس ضغوطات واضطهاد على المسيحيين. خاصًة على معتنقو المسيحية ذوي الخلفية المسلمة وهم أغلبهم بروتستانت. وفي أوائل عام 2009 سنّت طاجيكستان قانونًا جديدًا بشأن الممارسات الدينية التي تحد أساسًا من العبادة. القانون الجديد يفرض الرقابة على المؤلفات الدينية ويقيد أداء الطقوس في الأماكن التي وافقت عليها الدولة. وقد استخدم هذا القانون لحظر جماعة اغاثة مسيحية.

هناك ظاهرة التحول من الإسلام إلى المسيحية،[40] حيث تصل أعداد المتحولين للديانة المسيحية حوالي 60,000 مسيحي من عرقية الكازاخ،[41] و19,000 مسيحي من عرقية القيرغيز،[26] و10,000 مسيحي من عرقية الأوزبك.[26] و10,000 مسيحي من عرقية التركمان.

في أذربيجان تعد المسيحية هي ثاني أكبر الأديان. وتترواح نسبة المسيحيون نسبة بحسب الإحصائيات المختلفة بين 3% إلى 4.8% من السكان (بين 280,000-450,000)، ويتبع أغلبهم الكنيسة الروسية الأرثوذكسية والكنيسة الجورجية الرسولية الأرثوذكسية وكنيسة الأرمن الأرثوذكس (تقريباً جميع الأرمن يعيشون في مقاطعة ناغورني قرة باغ).[42] أدَّى النزاع حول إقليم قره‌ باغ بين أرمينيا وأذربيجان بدايةً من شهر يناير عام 1990م، أدَّى إلى قيام البرنامج المناهض للوجود الأرمني في البلاد، فتمَّ التعامل مع الأرمن بحزم وصرامة شديدة، وطُردوا إينما وجدوا، وكان من ضمنهم بطبيعة الحال جمهرة باكو، فرُحِّل جميع أبناء المدينة من الأرمن إلى أرمينيا.[43][44] وكانت الجاليّة الأرمنيّة الأرثوذكسيّة في باكو تشكل إحدى المراكز الثقافيّة والاقتصادية والسياسيّة في القوقاز في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. حيث كان غالبيّة مالكين حقول النفط من الأرمن.[45] أشارت بعض التقارير إلى ظاهرة نمو المسيحية في البلاد، إذ تحوّل 5,000 أذربيجاني إلى الديانة المسيحية في الآونة الأخيرة.[46][47]

جنوب وجنوب شرق آسيا

كاتدرائية سانت ماري الكاثوليكية، جاكرتا.
كاتدرائية سان جون، كوالالمبور.

انتشرت المسيحية في جنوب جنوب شرق آسيا من خلال المبشرّين البرتغاليين من خلال شركة الهند الشرقية الهولندية خلال الاستعمار في القرن السادس عشر.اليوم تحوي أندونيسيا أحد أكبر التجمعات المسيحية في العالم الإسلامي. وتُشّكل 10% من السكان أي حوالي 21,160,000 مليون نسمة.[48] حكومة إندونيسيا تعترف رسميًا في قسمين مسيحيين رئيسيين في إندونيسيا، وهما البروتستانتية والكنيسة الرومانية الكاثوليكية.[49] يشكل البروتستانت 70% من مجمل مسيحيي أندونسيا، و30% منهم كاثوليك. في الآونة الأخيرة أزداد معدل نمو المسيحية وانتشارها بشكل خاص بين الأقلية الصينية.[50][51] وذكرت تقارير صحفية أن بعض الدول الآسيوية، وعلى رأسها إندونيسيا، تشهد حملة ملحوظة من التبشير، أدت إلى تزايد كبير في أعداد المتحولين للمسيحية بحيث بات أفراد هذه الفئة أكثر ظهوراً في الحياة الاجتماعية بالبلاد، وبحسب دراسة تعود إلى عام 2015 حوالي 6.5 مليون مسلم إندونيسي تحول إلى المسيحية. وشهدت الكنيسة الكاثوليكية نموًا كبيرًا خاصةً في المناطق التي يسكنها عدد كبير من الإندونيسيين الصينيين والجاويين. على سبيل المثال في عام 2000 ضمت جاكرتا حوالي 301 ألف كاثوليكي، في حين لم يكن هناك سوى 26 ألف كاثوليكي في عام 1960.[52]

تعد المسيحية أحد الديانات الرئيسية في ماليزيا، وحوالي حوالي 10% من سكان ماليزيا هم من المسيحيين أي 2.6 مليون، ويتنشر المسيحية على كافة العرقيات في ماليزيا وتشمل الهندية والصينية والملايو، ويعيش معظمهم في شرق ماليزيا.[53] الطوائف المسيحية الأكبر في البلاد هي الانجليكانية، الميثودية والكنيسة الرومانية الكاثوليكية على التوالي. الجمعة العظيمة هي عطلة رسمية في ولايات صباح وسراوق. في حين عيد الميلاد هي عطلة وطنيّة.[54]

المسيحيين (بالأردية: مسيحى) يشكلون 1.6% من سكان باكستان، أي حوالي 2.8 مليون شخص، وذلك وفقًا لإحصائية عام 2005،[55] وهي ثاني أكبر أقلية دينية بعد الهندوسية في المجتمع الباكستاني. نصف مسيحيين باكستان يتبعون الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والنصف الآخر الكنائس البروتستانتية.[56] غالبية المجتمعات المسيحية الباكستانية تنحدر من المتحولين الهندوس أبناء الطبقات السفلى من منطقة البنجاب، في عهد الاستعمار البريطاني.[57] ويعاني مسيحيو الباكستان من اضطهاد مزدوج ديني واجتماعي، ومن المشاكل التي تواحجه مسيحيي باكستان قانونٌ التجديف الثي أثار الكثيرَ من الجدلِ، حيث وجهت إلى مئات من المسيحيين جنب إلى جنب بعض المسلمين اتهامات متكررة باهانة الإسلام. وقد تم اصدرا أحكام الإعدام على خلفية قانون التجديف بحق اثني عشر على الأقل.

وصلت المسيحية إلى ما هو الآن بنغلاديش خلال القرن السادس عشر وأواخر القرن السابع عشر، وذلك من خلال التجار والمبشرّين البرتغاليين. اليوم حوالي 0.3% من إجمالي عدد السكان هم مسيحيين.[58] ويعزى الاتصال الأول مع المسيحية في شبه القارة الهندية إلى توما الرسول، والذي حسب التقاليد المسيحية بشّر في ولاية كيرالا. على الرغم من أن الآباء اليسوعيين كانوا نشطين في عصر الحكام المغول في القرنين السادس عشر والسابع عشر، الاّ أنّ أول كنيسة رومانية كاثوليكية أنشأت في بنغلاديش قبل البرتغاليين، القادمين من غوا على الساحل الغربي للهند. في القرن السابع عشر انتقل بعض برتغاليين إلى دكا. يتمتع المسيحيون في بنغلادش عادًة بفرص أفضل للتعليم ومستوى المعيشة مقارنة بالمسلمين والهندوس. في أواخر 1980، كان عدد أتباع المسيحية حوالي 600,000 معظمهم من الرومان الكاثوليك، وأعدادهم كانت تنمو بسرعة. وعلى الرغم من صغر العدد، أسهم المسيحيين في بنجلاديش إسهامًا كبيرًا منذ استقلالها في عام 1971.

المسيحية هي دين حوالي 10% من سكان بروناي.[59] الاتصال مع المسيحيين من بلدان أخرى، واستيراد الكتب المقدسة والاحتفال في عيد الميلاد بشكل عمومي محظور.[60] لا يسمح المسيحيين في بروناي بالتبشير.[61] لا يسمح للمدارس في تعليم الديانة المسيحية.[61] إذا فشلت المنظمات الدينية في التسجيل، يمكن سجن أعضائها.[61] ويحظر تدريس الأديان غير المسلمة في المدارس.[61] ويحظر الزواج بين المسيحيين والمسلمين.[61] المواطينين الذين يغيرون دينهم من الإسلام إلى ديانة آخرى، يخضعون للضغوط اجتماعية ورسمية.[61] أغلب المسلمين المتحولين للمسيحية هم من الإنجيليين وتصل نسبتهم 0.6% في عام 1996.[62]

في جزر المالديف ويبلغ عدد المسيحيين حوالي 300. تعد جزر المالديف هي من بين البلدان الأقل تسامح تجاه المسيحيين. وفقًا للرئيس السابق مأمون عبد القيوم، لا ينبغي أن يسمح أي دين آخر غير الإسلام في جزر المالديف. يحظر الممارسة العلنية للدين المسيحي.

أفريقيا جنوب الصحراء

كاتدرائية أبوجا في نيجريا.
كاتدرائية دكار في السنغال.

نيجيريا عملاق القارّة الأفريقيّة، من حيث نسبة سكّانه البالغة مئة وأربع وخمسون مليون نسمة تتوزّع بين خمسين بالمئة من المسلمين يعيشون شمالاً، وتسعة وأربعين بالمئة من المسيحيين يقطنون في الجنوب. تضم نيجيريا أكبر تجمّع داخل العالم الإسلامي مع 76 مليون مسيحي.

بدأ أوّل اتّصال لنيجيريا مع العالم المسيحي، في عهد الاستعمار البريطاني عام 1851، مع وصول بعثات تبشيريّة إلى مناطق الجنوب، وانتشارها فيها. دخلت البروتستانتية في منتصف القرن التاسع عشر بواسطة بعض النيجيريين الذين عادوا بعد أن تعرّضوا للسخرة وبيعوا في سوق النخاسة بأميركا، وقد أسس هنري تاونسند مع بعض الأرقاء السابقين أول بعثة أنجليكانية شمال مدينة لاغوس. وتم تنصيب صامويل كروثر أسقفاً أنغليكانياً عام 1864 بلاغوس. وقد توسع الانتشار المسيحي بعد هذا التاريخ ليشمل إلى جانب الكنائس الأنغليكانية كنائس معمدانية وغيرها. وقد عرفت سنة 1868 أول ظهور لكنيسة كاثوليكية في نيجيريا. وتركز نشاط الكنائس النيجيرية في البداية على القطاع التعليمي متمثلاً في إنشاء المدارس ورعايتها. فضلًا على القطاع الصحيّ حيث تملك الكنائس شبكة واسعة من المستشفيات.

العديد مراكز الإعلام بأيدي المسيحيين فضلا يسيطر المسيحيين في نيجيريا على الاقتصاد النيجري وفي مقدمته احتكار عوائد مصادر الطاقة حيث تعد نيجيريا من أهم الأقطار العالمية المنتجة والمصدرة للنفط، يُذكر أن البلاد بلاد مقسومة إلى شمال فقير حيث الأغلبية من المسلمين وجنوب أكثر ثراء أغلبيته من المسيحيين.[63]

وتضاعفت الاعتداءات في السنوات الأخيرة في عدة ولايات في شمال شرق البلاد على المسيحيين بعد أن انتهت مهلة الإسلاميين الذين طالبوا بأن يغادر المسيحيون شمال البلاد حيث الغالبية المسلمة. حركة بوكو حرام قامت بالعديد من العمليات ضد المسيحيين وكنائسهم وممتلكاتهم.

دخلت المسيحية إلى السنغال في القرن السادس عشر على يد التجّار البرتغاليين ثم تعزز وجودها إبّان الإستعمار الفرنسي، والمسيحيين والمسلمين في السنغال يعيشون جنبا إلى جنب في وئام تام. في غامبيا تمثل المسيحية نحو 8% من السكان. يقطن المسيحيون في الأجزاء الغربية والجنوبية من غامبيا، ويتبع معظمهم الكنيسة الكاثوليكية. توجد طوائف مسيحية صغيرة أخرى كالأنجليكانية والميثودية والمعمدانية والسبتية وشهود يهوه وغيرها. في غينيا بيساو 10% من سكانها هم مسيحيون. في مالي 5% هم مسيحيين وحوالي ثلثي المسيحيين هم من الكاثوليك والثلث الباقي من البروتستانت.

في سيراليون ذات الغالبية المسلمة ولكنها على أقلية مسيحية (27%) ذات نفوذ. تأتي سيراليون في المرتبة الأولى لأكثر الدول تسامحًا دينيًا في العالم. .[64][65][66] أمّا في بوركينا فاسو حوالي 23.2% من سكانها هم مسيحيين والغالبية منهم من أتباع المذهب الكاثوليكي. تضم تشاد واحدة من أكبر التجمعات المسيحية في العالم الإسلامي ويتواجدون بشكل خاص في في الجنوب حيث اعتنق العديد من سكان الجنوب المسيحية على أيدي المبشريين، الذين أدخلوا المسيحية في البلاد، وبدؤوا أيضاً النظام التعليمي في المدارس. وتصل نسبة المسيحيون في التشاد إلى 34% الغالبية منهم كاثوليك مع وجود بروتستانتي مميّز.

في الصومال، هناك حوالي 1,000 مسيحي من السكان البالغ عددهم أكثر من ثمانية ملايين نسمة.[67][68] معظم المسيحيين في الصومال تأتي من الأقلية العرقية البانتو،[69] وتنتمي إلى الكنيسة الإنجيلية وكنيسة الناصري. هناك رعية واحدة كاثوليكية وهي أبرشية مقديشو. وتضم السودان حوالي 2.9 مليون مسيحي الغالبية منهم في جنوب السودان، وهناك تواجد ملحوظ للكنيسة القبطية في شمال السودان.

أوروبا

كاتدرائية أرثوذكسية في مدينة كورتشي جنوب ألبانيا.

المسيحية كانت ديانة ألبانيا ما قبل الفترة العثمانية، واليوم تقدر نسبة الألبان الأرثوذكس بـ 20% إلى 25% ، يلي ذلك الألبان الكاثوليك بـ 10%، وهناك أقليات دينية أخرى كالبروتستانتية وغيرها. ينتشر المسلمون في معظم أرجاء البلاد بينما يتركز وجود الأرثوذكس في الجنوب والكاثوليك في الشمال.[70] في ألبانيا يتعايش المسيحيون المسلمون من دون مشاكل، حيث أن المسلمين والمسيحيين، يعيشون في اختلاط في ما بينهم، وليس غريبا في هذا البلد أن يصلي المسلمون والمسيحيون في مكان واحد، حتى ان البعض لا يجدون حرجًا في تغيير ديانتهم.[71]

في ألبانيا جميع الحاصلين على جائزة نوبل من المسيحيين وهما الأم تريزا الحاصلة على جائزة نوبل في السلام وفريد مراد الحاصل على جائزة نوبل في الطب.

في كوسوفو وهي إلى جانب ألبانيا من الدول المسلمة في القارة الأوروبيّة ذات التقاليد المسيحية. نحو ثلاثة في المئة من السكان ألبان في كوسوفو هم من أتباع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية على الرغم من قرون من الحكم العثماني. في الآونة الأخيرة بدأ العديد من الكوسوفيون ترك الإسلام والعودة لجذورهم المسيحية،[72] فضلًا عن العديد من الحالات حيث تعود الأسر لإيمانهم الكاثوليكي وهناك ما يقدر ب 65,000 من الكاثوليك في كوسوفو و60,000 من الكوسوفيون الكاثوليك خارج كوسوفو.[73] كانت هناك على نطاق واسع، على الرغم من غير مؤكدة، الشائعات تقول أن الرئيس إبراهيم روجوفا قد تحول إلى الكاثوليكية قبل وفاته في 2006.[74] لسكان الصرب، تقدر أعدادهم بين 100,000 إلى 120,000 شخص، ويتبع أغلبيتهم إلى الكنيسة الصربية الأرثوذكسية. في كوسوفو هناك العديد من الأديرة والكنائس، والتي تعد مهد الأرثوذكسية الصربية.[75][76][77]

الأوضاع الحالية

ظهرت قائمة نشرتها منظمة الإغاثة المسيحية «الأبواب المفتوحة» أن أحوال المسيحيين في الدول الإسلامية في تدهور مستمر، حيث احتلت دول ذات طابع إسلامي المراكز التسعة الأولى بعد كوريا الشمالية للدول الأكثر اضطهادا للمسيحيين في العالم، حسب تقييم قائمة نشرتها منظمة الإغاثة المسيحية «الأبواب المفتوحة» في مدينة كيلكهايم الألمانية في يناير 2012. وجاءت في المرتبة الثانية أفغانستان، تليها السعودية، ثم الصومال وإيران، بينما حل اليمن والعراق في المرتبتين التاسعة والعاشرة على التوالي. وبذلك تحتل الدول الإسلامية ثلاثة أرباع المراتب الخمسين الواردة في القائمة. وذكر تقرير المنظمة أن «أوضاع المسيحيين تزداد سوءا هناك، حيث يزداد التطرف الإسلامي».[78]

تعايش

كاتدرائية مار جرجس المارونية يجاورها مسجد محمد الأمين وسط بيروت.

يتعايش المسيحيون والمسلمون في العديد من مناطق العالم الإسلامي منها تركيا،[79] فلسطين، الأردن،[80] سوريا، لبنان، السودان، إيران،[81] سيراليون، السنغال، دول آسيا الوسطى، أندونيسيا والعديد من الدول الأفريقية وغيرها من الدول الإسلامية وقد استطاع المسيحيون الوصول إلى مناصب سياسيّة واجتماعية واقتصادية هامة في العديد من هذه البلدان.

اقتصاديًا في مصر هناك تقارير حكومية تقول أن الأقباط يسيطرون على 30%-40% من الاقتصاد المصري،[82] في حين طبقًا لتقديرات غير رسمية فثروة الأقباط لاتقل عن 50% من حجم الاقتصاد المصري،[83] وأن 22% من شركات القطاع الخاص المصري التي تأسست خلال فترة التخلي عن الاشتراكية بين عامي 1974 و1995 هي لأقباط أيضًا،[84] ويسيطر الأقباط على 60% من الصيدليات و45% من العيادات الطبية الخاصة،[85] كما ويحتل ثلاثة من الأقباط رأس قائمة أغنى أغنياء مصر، وذلك حسب التصنيف السنوى الذي تصدره مجلة فوربس.[86]

تصنف الأقلية المسيحية في الأردن على أنها «أقلية ناجحة»،[87] وعلى الصعيد الاقتصادي فحسب جريدة فاينانشيال تايمز يمتلك ويدير المسيحيين نحو ثلث اقتصاد الأردن.[88] وفي سوريا ينتمى أغلب المسيحيين إلى الطبقة الوسطى البرجوازية والعليا.[89] يعمل أغلب المسيحيين في مهن ذوي الياقات البيضاء والمهنية والأكاديمية كذلك فقد نجح الكثير من المسيحيين في المهن والأعمال التجارية.[90]ويعتبر المسيحيين الفلسطينيين أكثر الطوائف الدينية تعلمًا،[91] وأوضاعهم الاقتصادية-الاجتماعية أفضل مقارنة بباقي السكان.[92] كذلك الأمر في إيران وتركيا يعتبر المسيحيون من الطوائف الميسورة اقتصاديا ومن الجماعات الدينية التي تملك مستويات تعليمية عالية.[93]

سياسيًا هناك تمثيل سياسي للمسيحيين في البرلمان لدول إسلامية شتى، فكان ليوبولد سنغور المسيحي أول رئيس للسنغال (1960-1980)[94] وفارس الخوري أول رئيس وزراء في سوريا.

ولا يعتبر لبنان الدولة الوحيدة في الوطن العربي التي يرأسها مسيحي، بل الدولة الوحيدة أيضًا التي يلعب فيها المسيحيون دورًا فاعلاً وأساسيًا في الحياة العامة؛ وخلال الفترة الممتدة بين 1943 و1975 شهد لبنان ازدهارًا اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا غير مسبوق حتى دعي «سويسرا الشرق» وما عاق هذا التقدم هو اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية على أسس مذهبية في 13 أبريل 1975.[95]

اضطهادات

كاتدرائية سان باتريك، كراتشي. يعاني المسيحيون في باكستان من اضطهاد مزدوج ديني واجتماعي.
كنيسة سيدة النجاة في بغداد، تعرضت لعمليات ارهابيّة عدة مرات من قبل متطرفيّن.

في باكستان بحسب ما ورد في العديد من التقارير المسيحيين في باكستان تتعرض لإبادة جماعية من قبل حركة طالبان الباكستانية.[96][97][98] في ماليزيا فقد تسبب استخدام كلمة الملايو «الله» في نزاع حول استخدام كلمة الله في ماليزيا، وقد حظرت الاناجيل في اللغة الملايوية بسبب استخدام هذه الكلمة.[54] وكان قد أفتى السلطان شرف الدين إدريس شاه، سلطان مقاطعة سلاغور الماليزية، بمنع غير المسلمين من النطق بلفظ «الله» باللغة العربية. يُشار إلى أن المحكمة العليا في ماليزيا ألغت حظراً سابقاً أقرته الحكومة يمنع بموجبه ذكر اسم الله في وسائل الإعلام المسيحية في إشارة إلى الله، وقد أعقب القرار موجة عنف دينية واعتداءات على الكنائس اجتاحت البلاد. وتعرضت في السنوات الأخيرة العديد من الكنائس في نيجريا لعمليات تفجيريّة واعتداءات على ممتلكات المسيحيين.

يرى عدداً من الناشطين في مجال حقوق الإنسان غياب التطبيق الحقيقي للمساواة وعدم الرغبة في التقليل من الاحتقان الطائفي، وأن المسيحيون في مصر يعانون من التمييز الطائفي،[99] ويتمثل هذا في عدة اتجاهات مثل قضية بناء الكنائس في مصر؛ أو وجود نسبة قليلة جدًا في المسيحيين يشغلون مناصب هامة، كضباط في الجيش؛ ومن العلاقة المتوترة والاقتتالات طائفية مع المسلمين،[100]

شكّل المسيحيون يشكلون حوالي ما نسبته 33% من سكان أراضي تركيا الحالية في بداية القرن العشرين،[101] لكن النسبة انخفضت عقب قيام الدولة العثمانية مذابح ضد الارمن وضد الطوائف المسيحية الأخرى والتي ادت إلى حدوث المذابح الاشورية ومذابح اليونانيون وقد تمت المذابح في شرق الأناضول وجنوبه وفي شمال العراق، وقد فاق عدد ضحاياها المليون ونصف مليون ارمني و250,000 إلى 750,000 آشوريين/سريان/كلدان ونصف مليون يوناني على يد الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.[102][103][104][105] فبدأ تهجير أعداد كبيرة من الأرمن إلى سوريا ولبنان والموصل، وكان التهجير يتم بطريقة بدائية مما أدى إلى موت حوالى 300 ألف من المهاجرين في الطريق من الجوع والبرد والمرض إضافة لتعرضهم لهجومات مستمرة من السكان المحليين. وقامت تركيا بعملية التبادل السكاني لليونانيين الأرثوذكس وعقب بوغروم إسطنبول عام 1955 والتي ادت إلى هجرة أغلبية مسيحيين إسطنبول، بسبب نهب الكنائس وقتل السكان المحليين من المسيحيين، فقد حرقت خلال هذه الأعمال بطريركية القسطنطينية مركز الكنيسة الأرثوذكسية والعديد من المنازل والمشاغل والمصالح التي يملكها يونانيون وارمن، ما أدى إلى هجرات كثيفة مسيحية ويهودية.[106]

منذ بدء حرب العراق عام 2003 وبسبب الميليشيات العسكرية والتنظيمات الإرهابية التي انتشرت في البلد واستهدفت المسيحين تأزم الوضع الإنساني في العراق بصورة فظيعة حتى أن لجنة الصليب الأحمر الدولي وصفته في مارس 2008 بأنه الوضع الإنساني الأسوء في العالم.[107] ضمن هذا الإطار تردت أيضاً أوضاع المسيحيين بشكل كبير، حيث أشار تقرير نشره موقع البي بي سي العربي إلى أن قرابة نصف المسيحيين العراقيين المقدر عددهم بـ 800 ألف نسمة قد فروا إلى الخارج بسبب أحداث العنف، حيث تعرض قسم منهم لأحداث إجرامية كالخطف والتعذيب والقتل، وتكررت بشكل خاص حوادث اختطاف واغتيال رجال الدين المسيحي، وفي في عصر 31 تشرين الأول، 2010 اقتحم مسلحون قامت به منظمة دولة العراق الإسلامية التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك بالكرادة في بغداد أثناء أداء مراسيم القداس. انتهت الحادثة بتفجير المسلحين لأنفسهم وقتل وجرح المئات ممن كانوا بداخل الكنيسة.[108]

المساهمة الحضارية

تشريح العين لحُنين بن إسحق من كتابه المسائل في العين: وهو من أبرز علماء العصر الذهبي للإسلام المسيحيون.[109]
دير مار أنطونيوس قزحيا، تم تأسيس فية أول مطبعة في الشرق الأوسط.

كان لِلمسيحيين العرب في الشَّام والعراق ومصر، إلى جانب المسيحيين الآشوريين والسُريان والأرمن والروم المُستعربين أو المُتحدثين بِالعربيَّة والمستعربين دورٌ كبير في بناء الحضارة الإسلاميَّة،[110] حيث قدم المسيحيون تعلم اليونانية إلى المُسلمين. وساهم مسيحيو الشرق (خاصةً المسيحيون النساطرة) في الحضارة العربية الإسلامية خلال الفترة الأموية والعباسية من خلال ترجمة أعمال الفلاسفة اليونانيين إلى اللغة السريانية وبعد ذلك إلى اللغة العربية.[111][112][113] كما برعوا في الفلسفة والعلوم واللاهوت والطب.[114][115] لعب المسيحيون دورًا مهمًّا في ظل الدولة الإسلامية حيث برزت مساهمة القبائل المسيحية إبان الفتوحات العربية، وفي تثبيت أركان الحكم، وبقيت مجتمعات مسيحية على دينها مثل أقباط مصر، وموارنة لبنان، وتغالبة الجزيرة، وكان مسيحيو الشام من القبائل التغلبية يشكلون سندًا للأمويين في الجيش، وفي الأسطول[116]اعتمدت الدولة الإسلامية على المسيحيين في إدارة الدولة ودواوينها، فقد كان للمسيحيين العرب دور بارز في العصر الأموي، في إنشاء الدواوين،[116] فاستفاد الأمويون والعباسيون منهم في تعريب الدواوين والإدارة وأبقوهم على رأس وظائفهم؛ وكذلك فعل الفاطميون في مصر، ولم يقتصر الأمر على موظفي الإدارة، بل تعداه إلى الوظائف الكبيرة في الدولة، فقد عمل السريان والنساطرة خلال العصر العباسي في الترجمة والعلوم والفلك والطب فاعتمد عليهم الخلفاء.[117]

وقد وصف الجاحظ وضع المسيحيين خلال العصر العباسي :«إن النصارى متكلمين وأطباء ومنجمين وعندهم عقلاء وفلاسفة وحكماء... وان منهم كتّاب السلاطين وفرّاشي الملوك وأطباء الأشراف والعطّارين والصيارفة... وأنهم أتخذزا البراذين والخيل واتخذوا الشاكرية والخدم والمستخدمين وامتنع كثير من كبرائهم من عطاء الجزية».[118]

كما وقاد المسيحيون النهضة القومية العربية،[119][120] وقد انتقل بعض هؤلاء المفكرين ذوي الأغلبية المسيحية من سوريا ولبنان إلى القاهرة والإسكندرية التي كانت في ظل الخديوي إسماعيل المكان الأكثر انفتاحًا في الدولة العثمانية؛[121] كذلك فقد استقر بعض هؤلاء في المهجر،[122] لقد أطلق هؤلاء المسيحيون بصحفهم وجمعياتهم الأدبية والسياسية النهضة العربية في القرن التاسع عشر والتي سرعان ما اتسعت لتشمل أطياف المجتمع برمته.[123][124] وقد سطع أيضًا نجم عدد وافر من الشخصيات المسيحية العربية في الوطن العربي والمهجر في مناصب سياسية واقتصادية بارزة، كما ولا يزال للطوائف المسيحية، دور بارز في المجتمع العربي، لم ينقطع، لعلّ أبرز مراحله النهضة العربية في القرن التاسع عشر، ومسيحيّو الشرق الأوسط هم أغنياء نسبيًا، ومتعلمون، ومعتدلون سياسيًا،[125] كما ولهم اليوم دور فاعل في مختلف النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.[126] ويدير المسيحيون اليوم عددًا من المدارس ومراكز النشاط الاجتماعي والمستشفيات والجامعات، وتقدّم هذه المؤسسات مستوى عاليًا من الخدمات.

ولا يقتصر دور المسيحيين على الدول الإسلامية العربية بل يمتد إلى كافة الدول، فمثلاً في إيران وتركيا للمسيحيين دور في العمارة والموسيقى والتصوير والطباعة والسينما وغيرها من المجالات.[127] كان المسيحيون خاصًة الأرمن واليونانيين عماد النخبة المثقفة والثرية في عهد الدولة العثمانية، وكانوا أكثر الجماعات الدينية تعليمًا،[128] ولعبوا أدوارًا في تطوير العلم والتعليم واللغة والحياة الثقافية والاقتصادية.[93] كما لعب أرمن أصفهان وجنوب إيران أدوارًا هامَّةً في التجارة، إذ كان الأرمن تجَّارًا أغنياء، ولهم دور بارز في تطوير الصناعات الفنية الدقيقة الخاصة بالمجوهرات والآلات الدقيقة، ويساهمون في الصناعات البترولية.[12] وكانت الجاليّة الأرمنيّة الأرثوذكسيّة في باكو تشكل إحدى المراكز الثقافيّة والاقتصادية والسياسيّة في القوقاز في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. حيث كان غالبيّة مالكين حقول النفط من الأرمن.

في باكستان وبنغلادش وأفريقيا جنوب الصحراء لعبت الكنائس المسيحية دورًا هامًا في تحديث هذه البلدان، ولا سيّما في مجال المؤسسات الاجتماعية والتربوية وفي الرعاية الصحية والتعليم، فأنشأت الكنائس المسيحية أولى المستشفيات الحديثة في البلاد، كما تتواجد المدارس والكليّات والجامعات المسيحية الرئيسية وتخرّج النخب الاجتماعية في البلاد.

على الطب والعلوم

النسخة الأصلية من كتاب نعت الحيوان ومنافعه لابن بختيشوع، تعود للقرن العاشر الميلادي.

كان الخليفة أبو جعفر المنصور أول خلفاء بني العباس اهتمامًا بالعلم والعلماء، وقام باجتذاب الأطباء اليعاقبة والنساطرة إلى مدينة بغداد، وترجمت له كتب في الطب والنجوم والهندسة والآداب، وألفت له ولعصره الكثير من كتب الحديث والتاريخ، وترجم جرجيس بن بختيشوع مؤلفات كثيرة في الطب من اليونانية إلى العربية، كما أن المنصور طلب من إمبراطور بيزنطة أن يرسل له أعمال إقليدس والمجسطي لبطليموس، وترجم كتاب إقليديس للعربية، وكان هذا الكتاب أول كتاب يترجم من اليونانية إلى العربية في عهد الدولة العباسية.[129] ساهم المؤلفون اليعاقبة والنساطرة في نهضة التأليف تحت مظلة بيت الحكمة،[130] وأبرز هؤلاء النساطرة آل بختيشوع الذين قدموا إلى جنديسابور في عهد هارون الرشيد ووزرائه البرامكة، وتناقلوا العلم من جيل إلى جيل على مدى ثلاثة قرون في عهد العباسيين، وخدموا الطب والمنطق والديانة النصرانية بما عرَّبوا وألفوا.[131][132] وقد وصف الجاحظ وضع المسيحيين خلال العصر العباسي :«إن النصارى متكلمين وأطباء ومنجمين وعندهم عقلاء وفلاسفة وحكماء... وان منهم كتّاب السلاطين وفرّاشي الملوك وأطباء الأشراف والعطّارين والصيارفة... وأنهم أتخذزا البراذين والخيل واتخذوا الشاكرية والخدم والمستخدمين وامتنع كثير من كبرائهم من عطاء الجزية».[118]

كان للمسيحيين خاصًة السُريان من يعاقبة ونساطرة دور مهم في الترجمة والعلوم،[117] بخاصة أيام الدولة العباسية، وأدت الترجمة مهمة رئيسة في ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، وقد أتقن العرب، والمسيحيون منهم خاصة، الترجمة واستوعبوا محتويات الكتب المترجمة، بعدما عربوها وأعادوا صياغتها وطوروا مضمونها وأجروا عمليات نقد عليها وأعادوا إنتاج الثقافات السابقة لهم ووضعوها بين يدي العالم في ما بعد. لقد ترجم المسيحيون من اليونانية والسريانية والفارسية،[133] واستفادوا من المدارس التي ازدهرت فيها العلوم قبل قيام الدولة العربية خصوصاً مدارس مدن «الرها ونصيبين وجنديسابور وأنطاكية والإسكندرية» المسيحية والتي خرجت فلاسفة وأطبّاء وعلماء ومشرّعين ومؤرّخين وفلكيّين، وحوت مستشفى ومختبرًا ودار ترجمةٍ ومكتبةً ومرصد.[134] واشتهر من المترجمين شمعون الراهب وجورجيوس أسقف حوران وجوارجيوس وجبريل بن بختيشوع الذين اشتهروا في الطب خصوصاً، وبقيت أسرتهم آل بختيشوع مسؤولةً عن الطب في الدولة العباسية طوال ثلاثة قرون، وخدم أبناؤها كأطباء خاصّين للخلفاء العباسيين،[135] وعيّن المأمون يوحنا بن ماسويه الذي ترجم وألف خمسين كتاباً رئيساً لبيت الحكمة وكان أبوه أيضًا طبيبًا،[135] وحنين بن إسحق كان أيضاً رئيساً لبيت الحكمة ومن بعده ابن اخته حبيش بن الأعسم، وقد ترجم حنين بن إسحق 95 كتابًا،[135] وكان لسعيد بن البطريق عدد من المصنفات العلمية والطبية. وقد أقام المأمون يوحنا بن البطريق الترجمان أميناً على ترجمة الكتب الفلسفيّة من اليونانيّة والسريانيّة إلى العربيّة،[135] وتولّى كتب أرسطو وأبقراط.

كان من ضمن العُلماء المسيحيُّون في عُصُور الخِلافة العباسيَّة كل من قسطا بن لوقا وإسحق الدمشقي ويحيى بن يونس والحجاج بن مطر وعيسى بن يحيى ومتى بن يونس وأسطفان بن باسيل ويحيى بن عدي وعبد المسيح الكندي،[135] إلى جانب يحيى بن البطريق، وابن بطلان، ويوحنا ابن الفنكي، وأبو سهل المسيحي،[136] وماسويه المارديني، وإسحاق بن علي الرهاوي،[137] وسَابُورُ بْنُ سَهْلٍ،[138] وسلمويه بن بنان، وسيرابيون الصغير، وسهل بن بشر،[139] وابن زرعة وغيرهم. وقد ترجموا وألفوا في الفلسفة والنواميس والتوحيد والطبيعيات والإلهيات والأخلاق والطب والرياضيات والنجوم والموسيقى وغيرها. يشير عدد من الباحثين بنوع خاص إلى تطور الفيزياء في اللغة السريانية.[140] وكان لترجمتهم كتب الفلسفة إلى العربية أثر كبير في ظهور «فرق المعتزلة» التي تجعل من العقل الحكم الوحيد في تفسير أحكام الشريعة الإسلامية.[141]كما عين المأمون العباسي اسطفان بن يعقوب مديراً لخزينة الخليفة، وتم تقليد ديوان الجيش لمسيحيٍّ مرتين، وشغل سعيد بن ثابت وزارة، وتولى عبيد بن فضل قيادة الجيش، وكان عيسى بن نسطور وزيراً في بلاط العزيز الخليفة الفاطمي، وكان لعضد الدولة وزير نصراني اسمه نصر بن هارون، وكُلّفَ مسيحيون كثيرون بمسؤوليات حكومية أيام الدولة الفاطمية.[116] وأسهم الأقباط بدورهم في التطور العلمي، فهم الذين أدّوا بالدور الأساسي في بناء الأسطول العربي في بداية العصر الأموي، وهم الذين أقاموا دار الصناعة في الإسكندرية، ودار الصناعة في تونس، وذهب عدد من العمال الفنيين الأقباط إلى الشام للهدف نفسه.[142]

على الأدب

اعتبره عدد من العلماء المعاصرين العصر العباسي بمثابة الذهبي للأدب العربي المسيحي، حيث كتب علماء مسيحيون ناطقون باللغة العربية نصوص لاهوتية واسعة باللغة العربية وقدموا أيضًا مناقشات موجزة عن العقيدة والممارسات المسيحية.[143] في الثقافة العباسيَّة الشعبية ظهرت العديد من الشخصيات المسيحية الفلكلورية الأسطورية في مجموعة متنوعة من القصص الشعبية والأشعار منها على سبيل ألف ليلة وليلة[144] التي تحتوي على شخصيات أدبية مسيحية خيالية مشهورة منها السمسار القبطي والخطاط السرياني وحكاية الأميرة شيرين ورهبان عمورية وتتكرر شخصية الطبيب والتاجر المسيحي بكثرة وتضمنت الشخصيات المسيحية الخيالية مسيحيين من بغداد وسائر العالم الإسلامي ومن روم الإمبراطورية البيزنطية.[145]

على العمارة الإسلامية

آيا صوفيا في إسطنبول: أيقونة للحضارة البيزنطية والحضارة المسيحيَّة الأرثوذكسيَّة.[146][147] وشَكَّل نمط العمارة البيزنطيَّة لآيا صوفيا مصدر إلهام لبناء العديد من المساجد العثمانية.

من القرن الثامن إلى القرن الحادي عشر، تأثرت أنماط العمارة الإسلامية بتقاليد قديمة مختلفة من ضمنها الأساليب الرومانية والبيزنطية التي كانت سائدة بشكل خاص في العمارة الإسلامية المبكرة، وزودت مناطق الإمبراطورية البيزنطية المحتلة حديثًا (جنوب غرب الأناضول وبلاد الشام ومصر والمغرب الكبير) المهندسين المعماريين والبنائين والفسيفساء والحرفيين الآخرين للحكام الإسلاميين الجدد.[148] دُرّب هؤلاء الحرفيون على العمارة البيزنطية والفنون الزخرفية، واستمروا في البناء والتصميم على الطراز البيزنطي، الذي تطور من العمارة الهلنستية والرومانية القديمة.[148] ومن الأمثلة على ذلك قبة الصخرة (أواخر القرن السابع) في القدس، حيث أن تصميم المبنى مُستمد من العمارة البيزنطية ومن هيكل الكنيسة البيزنطية كرسي مريم التي بنيت بين عام 451 وعام 458 على الطريق بين القدس وبيت لحم.[149] وصُمّم المبنى على غرار كنيسة القيامة المجاورة،[150] ووُظّفَ فنانون مسيحيون بيزنطيون لإنشاء فسيفساء متقنة على خلفية ذهبية.[151][152] بالإضافة إلى مدرسة ضريح السلطان الناصر محمد في القاهرة والتي لها مدخل قوطي جُلبَ من عكا، وأُعيد استخدامه كغنيمة تذكارية.[153] لا تزال المعالم المسيحية ظاهرة في الكاتدرائية المسيحية السابقة مدرسة الحلوية في حلب، والتي حولها نور الدين زنكي إلى مسجد على الأرجح. للمسجد الأقصى زخرفة منحوتة مأخوذة من الهياكل الصليبية للقرن الثاني عشر في أقواس الواجهة.[154] وفقًا لفرضية وضعها جان سوفاجيه، فقد تبنى الأمويون الأنماط المعمارية لأديرة الرهبان المسيحيين والغساسنة في بناء قصورهم.[155][156]

لا يزال جامع بني أمية الكبير بدمشق والذي بُنيَ عام 715 على يد الخليفة الوليد بن عبد الملك،[157] في موقع بازيليك يوحنا المعمدان بعد الفتح الإسلامي لدمشق، يشبه إلى حد كبير البازيليكات المسيحية في القرنين السادس والسابع.[157] حدثت بعض التعديلات لاحقاً، بما في ذلك توسيع الهيكل ليتناسب بشكل أفضل مع أسلوب الصلاة الإسلامي. صمم مسجد ابن طولون أحد المساجد الأثريّة الشهيرة في مدينة القاهرة، المهندس المعماري المسيحي القبطي البارز سعيد بن كاتب الفرغاني،[158] والذي صمم أيضاً مقياس النيل. بعد انتهاء حكم المسلمين في شبه الجزيرة الإيبيرية، استمرت العمارة المغربية ليس فقط في شمال إفريقيا ولكن أيضًا في أسلوب المدجنين في إسبانيا المسيحية،[159] حيث استخدموا تقنيات وتصميمات مغاربية وقاموا بتكييفها مع الاتجاهات الفنية المسيحية (الرومانسيكية والقوطية وعصر النهضة) التي تضمنت باعتبارها زخارف نافرة بعض التقنيات البنائية والأسلوبية التي قدمها أو طورها المسلمون في الأندلس.[160]

بعد سقوط القسطنطينية، وجد العثمانيين مجموعة متنوعة من الكنائس المسيحية البيزنطية، كان أكبرها وأبرزها كاتدرائية آيا صوفيا السابقة والتي اعتُبرت رمزًا ثقافيًا ومعماريًا وأيقونة للحضارة البيزنطية والحضارة المسيحيَّة الأرثوذكسيَّة.[146][147][161] شَكَّل نمط العمارة البيزنطيَّة لآيا صوفيا مصدر إلهام لبناء العديد من المساجد العثمانية الأخرى، بما في ذلك المسجد الأزرق ومسجد سليمان القانوني وجامع رستم باشا وجامع قلج علي باشا.[162][163] وقام العثمانيون بتحويل كاتدرائية آيا صوفيا الأرثوذكسية ومقر بطريركية القسطنطينية المسكونية سابقاً إلى مسجد وقاموا بدمج عناصر معمارية بيزنطية في أعمالهم الخاصة مثل القباب.[164] وكان هذا جزءًا من تحويل أماكن العبادة غير الإسلامية إلى مساجد.[165]

خلال عصر الإمبراطورية البيزنطية بُنِيَت العديد من الحمامات العامة من أجل النظافة؛ وبُنيَت حمامات عامة كبيرة في المراكز الحضرية البيزنطية مثل القسطنطينية وأنطاكية وسالونيك، [166] واتّبعت هذه الحمامات الهيكليَّة الأصليَّة والنموذجيَّة للحمامات الرومانية، والتي كان فيها حمام ساخن في كل الغرف.[157] لكن على خلاف الحمامات الرومانية بُنيَت أقسام منفصلة بين الرجال والنساء تأثّرًا بالأخلاقيات المسيحيَّة.[167] اعتمدت الحمامات العثمانية والتركية والمغربية لاحقاً تقنيات الاستحمام المستخدمة في الحمامات الرومانية والبيزنطيَّة والفصل بين الجنسين.[168][169]

التأثير المعماري المسيحي على العمارة الإسلامية

على الفن الإسلامي

يُمكن العثور على الزخارف الكريستولوجية في أعمال نظامي الكنجوي وجلال الدين الرومي وآخرين.[175] وفقاً للباحث توماس دبليو أرنولد طبق الفنانون الإسلاميون الأنماط المسيحية على فن الأيقونات، حيث يتشابه تصوير ولادة النبي محمد في جامع التواريخ للمؤرخ رشيد الدين فضل الله الهمذاني مع تصوير ميلاد يسوع في الفن المسيحي التقليدي،[176] وتتطابق رسمة الملائكة التي تحوم فوق أم النبي محمد، مع موضوعات من الفن المسيحي، في حين يتطابق تصوير النساء الثلاث اللائي أتين لزيارة الأم، مع تصوير رواية المجوس الثلاثة الإنجيلية.[176] بعض القطع النحاسية الأيوبية الباقية تتميز بمشاهد من الإنجيل وصور لمريم العذراء مع الطفل يسوع.[177] وتتجلى الإشارات إلى البشارة ومعمودية يسوع في الآثار البقية، حيث صُورت مريم العذراء وفقًا لتصويرها في الفن البيزنطي.[178] كما توحي اللوحات الجدارية لقصر المختار بمدينة سامراء، المرسومة بين عام 836 وعام 883، بالحرفة المسيحية بسبب تصوير رجال الدين المسيحيين من كنيسة المشرق وتوقيعات الفنانين المسيحيين.[179]

بدأ تأثير الفن والعمارة القبطيان على العمارة الإسلامية ودمج بعض السمات القبطية في البناء الإسلامي وفي صناعة النسيج المصري منذ القرن السابع الميلادي.[180] يُشير المؤرخ روبرت هيلينبراند إلى أن الفن السرياني والآشوري المسيحي في بلاد الشام والعراق وبلاد فارس ترك بصمات واضحة على مختلف المخطوطات والمنمنات العربية والفارسية التي أنجزت خلال العصر الذهبي للإسلام وخلال القرن الثالث عشر الميلادي ولا سيما في نصفه الثاني منه حينما كانت البلاد الإسلامية ترزح تحت السيطرة المغول،[181] وقد استقى الفنانون في الدولة العباسية كثيرًا من مهاراتهم الفنية من أساتذتهم السريان ومن نتاجاتهم.[181] ووفقاً للباحث سمير عبده أثر نشاط السريان في الفن الإسلامي بشكل واضح، فطراز المباني الدينية عند المسلمين يشبه النمط السرياني والقبطي.[182] هناك أدلة على اقتراض ثقافي بين المستعربين النصارى والمسلمين في الأندلس، وكان تبني المسلمين للتقويم الشمسي المسيحي والأعياد المسيحية ظاهرة أندلسية حصرية،[183] وأنتج المستعربون المسيحيون فن وثقافة دمج فيها الفن المسيحي والقوطي والأندلسي.[183] بعد انتهاء الحكم الإسلامي في إسبانيا والبرتغال، استمرت تقاليد العمارة المغربية في شمال إفريقيا وكذلك في أسلوب المدجنين في إسبانيا، والتي استفادت من تقنيات وتصميمات مغاربية وتكيفت مع الفن المسيحي.[160] ولعب أرمن بلاد فارس دوراً هاماً في صناعة وتجارة السجاد الفارسي خصوصاً خلال عصر الدولة الصفوية.[184]

بيت أجقباش في حلب، بنته عائلة مسيحية ثرية من التجار في عام 1757.[185]

يُشير المؤرخ مايكل ليفي أن المسيحيين الإغريق والأرمن والبلغار والشوام اللاتين (المشرقيون الكاثوليك) لعبواً دوراً بارزاً في تطوير ونقل أنماط فنية ومعمارية حديثة إلى الدولة العثمانية،[186] كما أنتجوا العديد من المآثر الفنية للفن العثماني.[186] وعلى الرغم من أن المسيحيين كانوا أقلية في مدينة دمشق ما بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر الميلاديين، فإن الصناعات بقيت في أيدي معلميها، ولم يقارب الأعمال الفنية والحرف سوى عدد قليل من المسلمين،[187] ومع أن مسيحيي دمشق أضحوا قلة ما بين القرن الخامس عشر وأحداث عام 1860، بحيث لم يتجاوزوا ثلث عدد السكان، بقوا يحتكرون بعض الصناعات الهامة، ومنها حياكة الحرير، وصياغة الذهب، والزخرفة الحديدية، والفسيفساء، وفن العمارة، والنقش والنحت على الحجر، بحسب المراجع التاريخية.[187] وساهم المسيحيون بشكل بارز في بناء أهم معالم المدينة التاريخية، كقصر العظم وخان أسعد باشا، وحتى ترميم الجامع الأموي الكبير.[187] خلال الحقبة العثمانية كانت حلب أيضًا موطنًا لإحدى أغنى المجتمعات المسيحية الشرقية وأكثرها تنوعًا في الشرق.[188] وتاريخياً خصوصًا خلال الحكم العثماني عمل المسيحيون في التجارة وأقاموا في أحياء خاصة فيهم أبرزها الجديّدة، وشيّدت في الحي ذاته بيوت فخمة تدل على ثراء ورفاهية أصحابها،[188] فضلًا عن مختلف المرافق التي تتيح لهذا الحيّ أن يعيش حياته المستقلة منها حمامات عامة مثل حمام برهم.[189] ومثل مسيحيي مدينة دمشق احتكر مسيحيو حلب أيضاً بعض الصناعات الهامة، ومنها حياكة الحرير، وصياغة الذهب، والزخرفة الحديدية، والفسيفساء، وفن العمارة، والنقش، والتصوير والنحت على الحجر.[188] وفي حي الجديّدة سكن أعيان الطوائف المسيحية في حلب، ولا سيما الأرمن الذين تخصصوا في التجارة مع الهند وبلاد فارس، ونتيجة لذلك أحضر الأرمن إلى حلب أنماط معمارية وفنية حديثة، أضحت جزءًا من الحياة الفنية للمدينة.[190] تأسست المدرسة الحلبية للأيقونة ونالت شهرة كبيرة خلال الفترة الممتدة بين النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي والنصف الأول من القرن الثامن عشر الميلادي، ولعل أهم ما تميزت بها الأيقونات الحلبية هي أنّ الرسامين الحلبيين أضافوا إليها صبغة محلّية ونفساً سورياً بحيث يُمكن التعرّف عليها بمجرد أن يراها الباحثون والفنانون المختصون ويتمثل هذا النفس المحلي في وجود السيف الدمشقي المعقوف في بعضها وكذلك الوجه الشاحب والخلفية الذهبية وثياب البروكار -وهو نوع من الحرير الدمشقي الأصيل- في بعضها الآخر.[191]

التأثير المسيحي على الفن الإسلامي

على التعليم

الجامعة الأميركية في بيروت، أسسها المبشرون البروتستانت وهي من أولى الجامعات الحديثة في الوطن العربي.

ساهم العُلماء المسيحيُّون (خاصةً المسيحيون النساطرة) في الحضارة العربية الإسلامية خلال الفترة الأموية والعباسية من خلال ترجمة أعمال الفلاسفة اليونانيين إلى اللغة السريانية وبعد ذلك إلى اللغة العربية.[111][113][195] خلال القرنين الرابع والسابع، بدأ العمل العلمي باللغتين السريانية واليونانية حديثًا أو استمر من العصر الهلنستي. تضمنت مراكز التعلم ونقل الحكمة الكلاسيكية كليات مسيحية مثل مدرسة نصيبين، ولاحقًا مدرسة الرها،[196] ومدرسة جنديسابور الطبيَّة؛[197] ومن المكتبات مكتبة الإسكندرية والمكتبة الإمبراطورية في القسطنطينية. عملت مراكز أخرى للترجمة والتعلم في مرو وسالونيك ونيسابور وطيسفون، الواقعة جنوب ما أصبح فيما بعد بغداد.[198][199] وكان بيت الحكمة عبارة عن مكتبة ومعهد للترجمة وأكاديمية تأسست في العصر العباسي في بغداد.[200][201] لعب النساطرة دورًا بارزًا في تكوين الثقافة العربية والإسلاميَّة،[115] حيث برزت مدرسة جنديسابور في أواخر العصر الساساني والأموي وأوائل العصر العباسي. والجدير بالذكر أن ثمانية أجيال من عائلة بختيشوع المسيحية النسطورية خدموا كأطباء خاصين للخلفاء والسلاطين بين القرنين الثامن والحادي عشر.[202][203]

لعبت كلية مدرسة القديس جورج الرومية والتي بنيت عام 1454 في حي الفنار في الحفاظ على التراث الفكري الإغريقي، وإنشاء نخب سياسية وفكريَّة واجتماعيَّة يونانية في الدولة العثمانية.[204] وكان للإرساليات التبشيرية المسيحية والأجنبية التي نزلت سوريا العثمانية لأهداف دينية أثر بعيد في تطوّر الحياة الفكرية. فقد رأى المرسلون أن خير الوسائل لنشر مذاهبهم الدينية هي إنشاء المدارس. فأسسوا عشرات المدارس الابتدائية وعددًا من المدارس الثانوية. وأنشأ المرسلون الأمريكيون «الكليّة السورية الإنجيلية» في سنة 1866،[205] التي أصبحت فيما بعد الجامعة الأمريكية في بيروت، وأسس اليسوعيون جامعة القديس يوسف سنة 1874.[206] وإلى جانب هذه المدارس كان للمرسلين الأمريكيين واليسوعيين مطبعتان في بيروت. وكان لهذه المدارس المسيحية والمطابع فضل كبير جدًا في نشر العلم وتقدم الحياة الفكرية في الوطن العربي، وخرجّت العديد من المدارس الكاثوليكية حول العالم نخب سياسية وعلميّة وفنيّة واجتماعية.

في عام 1863 أسس المحسن الأمريكي كريستوفر روبرت والمبشر الأبرشاني سايروس هاملين كلية روبرت في مدينة إسطنبول،[207] وحافظت الكلية على علاقات وثيقة مع المبشرين الأبرشانيين والمشيخيين.[208] وكانت الهيئة الطلابية تتألف في السابق من الأقليات البلغارية والرومية والأرمنية والأقليات المسيحية الأخرى من الدولة العثمانية، لكن أدى الطلب المتزايد بين الأتراك المسلمين على التعليم الغربي إلى تسجيل أعداد كبيرة من الطلاب الأتراك فيها.[209] وكانت الكلية قد تأسست في عهد الدولة العثمانية كمؤسسة للتعليم العالي تخدم الأقليات المسيحية في الدولة العثمانية وكذلك الأجانب الذين يعيشون في القسطنطينية، لكن لاحقاً تبنت المدرسة نموذجاً تعليمياً علمانياً صارماً وفقاً للمبادئ الجمهورية التركية في عام 1923، وتحول اسمها إلى جامعة بوغازجي. بنى المبشرون الأمريكيون العديد من المدارس والكليات البروتستانية في إسطنبول وإزمير وأضنة[210] ومعمورة العزيز ومرسين[211] وعنتاب وقيصرية وأماسية وغيرها من المدن، وخدمت هذه المدارس أبناء الأقليات المسيحية الأرمنية والسريانية وغيرها. وبالرغم من تحول أعداد ضئيلة جدا إلى تلك الطوائف إلا أن تأثير تلك الإرساليات كان عميقاً جداً في المنطقة أدت لحدوث نهضة ثقافية بانتشار الصحافة والتعليم بين سكانها المسيحيين السريان والآشوريين.[212] وأقامت الإرساليات الكاثوليكية شبكة من المدارس الكاثوليكية في أرجاء الدولة العثمانية، ولا تزال هذه المدارس تستقطب أبناء النخب التركية.[213] وصفت المؤرخة لوسي غارنيت المدارس الخاصة بالمسيحيين واليهود في الدولة العثمانية بأنها «منظمة على النموذج الأوروبي» للتعليم، وحصلت على الدعم من خلال التبرعات وتضيف أنه كان لمعظمها «مستوى تعليمي مرتفع».[214]

تحسنت أحوال أتباع كنيسة المشرق في سهل أورميا بعد أن ساعدت الإرساليات البروتستانتية الأمريكية إلى إنشاء مدارس حديثة وانتشار التعليم بها.[215] وأصبحت مدينة أورميا إحدى أكثر المناطق تطوراً حيث شهدت تأسيس جريدة «زهريرا دبهرا» عام 1849 والتي تعتبر أول جريدة ناطقة بالسريانية.[216] كما نشط في تلك المنطقة عدة إرساليات مسيحية منذ عشرينات القرن التاسع عشر عملت على إنشاء المطابع ونشر الصحف.

نمو المسيحية

تشير تقارير إلى اعتناق مئات الالآف من المسلمين للديانة المسيحية، وتقدر دراسات أن أعداد أكبر بكثير قد تحولت من الإسلام إلى المسيحية في القرن الواحد والعشرين من أي وقت آخر في التاريخ الإسلامي.[217] تشير البيانات الإحصائية أنه من الصعب تجميع معلومات متوفرة حول أعداد المرتدين عن الإسلام في الدول ذات الأغلبية المسلمة. السبب الرئيسي في ذلك هو التداعيات الاجتماعية والقانونيَّة المرتبطة بالردة عن الإسلام في العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، والتي قد تصل إلى السجن أو عقوبة الإعدام،[218] على الرغم من ذلك أشارت عدد من التقارير والدراسات المختلفة إلى اعتناق أعداد من المسلمين للديانة المسيحية، وتشير التقارير والدراسات إلى أنَّ اعتناق المسيحية من قبل المسلمين موجود في العديد من دول العالم الإسلامي منها على سبيل المثال في إندونيسيا وتركيا وإيران ودول المغرب العربي إلى جانب الجاليات المسلمة في العالم الغربي.[26][219][220]

يواجه عدد من معتنقي المسيحية ذووي الخلفية الإسلامية نبذ اجتماعي أو السجن واحيانًا القتل وذلك على خلفية تحولهم للمسيحية.[15] ومن قضايا المتحولين للمسيحية التي اتخذت طابع دولي، كانت قضية عبد الرحمن وهو مواطن أفغانيًا ألقي القبض عليه في فبراير 2006 وكان يواجه عقوبة الإعدام لانه اعتنق المسيحية.[77] في 26 مارس 2006 وتحت ضغط مكثف من الحكومات الاجنبية استأنفت المحكمة قضية عبد الرحمن لوجود «ثغرات في التحقيق».[221] ويوسف نادرخاني هو قسيس بروتستانتي إيراني من مواليد عام 1977 من مدينة رشت في محافظة كيلان شمال إيران، اعتنق المسيحية عندما كان يبلغ التاسعة عشرة من عمره، وعمل منذ عام 2000 كقسيس لكنائس منزلية عدة غير مرخص لها، اعتقل عام 2009 وحكم عليه بالإعدام بتهمة الارتداد عن الإسلام عام 2010.[222]

  • في  نيجيريا مثلًا ازدادت نسبة المسيحيين من 21.4% سنة 1954 إلى 48.2% سنة 2003، ويعود ذلك إلى ظاهرة اعتناق المسيحية.[223]
  • في  إيران المسيحية هي أكثر الديانات انتشارًا بعد الإسلام، وتشير بعض المنظمات إلى أن عدد معتنقي المسيحية في إيران بلغ 370,000 وذلك حسب مجموعة مراقبة الاضطهاد الأمريكية «الأبواب المفتوحة»، بعد ان كانوا 200 شخص فقط قبل 40 سنة،[224] وبين 500,000 ومليون حسب الإرسالية المسيحية الإيرانية.[225][226]
  • في  تركيا بين كل 10 حالات تغيير دين 6 حالات تكون للمسيحية،[227] وهي في تزايد،[228] في تقرير في صحفية ميليت أشارت إلى أن 35,000 تركي تحول للمسيحية سنة 2008 خاصًة إلى المذهب البروتستانتي الانجيلي.[40]
  • في  الجزائر تشير بعض التقارير إلى وجود أكثر من 100,000 جزائري معتنق للديانة المسيحية خاصًة البروتستانتية،[13][229] وفي تقرير صحفي لكريستيان تيلغراف من الجزائر حول اعتناق المسيحية أشار القس يوسف يعقوب من منظمة Operation Mobilization ان فإن نسبة نمو المسيحية هي 800%. تشهد كنائس الجزائر بمختلف مذاهبها تعميد ما يزيد عن 50 جزائريًا عبر التراب الجزائري كل يوم أحد، حسبما كشفت عنه أرقام الأسقفية الكاثوليكية بالجزائر، وأشار الأب دانيال سان فينسون دولابول، مسؤول بالأسقفية الكاثوليكية بالجزائر، في لقاء مع «النهار» أمس بمقر الأسقفية عن أن 90 من المائة من مجموع الجزائريين الذين غيّروا ديانتهم يعتنقون المذهب الإنجيلي، مشيرًا إلى أن ظاهرة اعتناق المسيحية من طرف الجزائريين المسلمين بلغت حدّا كبيرا خلال 4 السنوات الأخيرة.[230]
  • في  المغرب أشارت عدد من الصحف والمصادر المختلفة إلى تحول بين 25,000 إلى 45,000 مغربي للمسيحية في السنوات الأخيرة.[231] بينما بحسب دراسة جامعة سانت ماري بلغ عدد المسلمين المتحولين للمسيحية في المغرب منذ 1960 وحتى 2015 بنحو 3,000 شخص.[26] وبلغ العدد نحو ألف شخص من أتباع الكنيسة الأنجليكانية المغربية وفقاً لموقع أليتيا.[232] وأشار تقرير لمجلس الهجرة واللاجئين في كندا عام 2011 بأن عدد المغاربة ممن تحولوا إلى المسيحية من عام 2005 حتى عام 2010 وصل إلى 5,000 شخص.[233] وحسب تقرير للدراسات بالولايات المتحدة بتعاون مع السفارة الأمريكية بالمغرب، أفاد واعتمادًا على استطلاع الرأي، بأن عدد المغاربة ممن تحولوا إلى المسيحية خلال الربع الأول من العام 2012 وصل إلى 8,000 شخص.[234] وينتمي المسيحيين المغاربة إلى مدن مختلفة وإلى شرائح اجتماعية مختلفة، الشريحة الأكبر من معتنقي المسيحية هي من الشباب فضلًا عن وجود عائلات بكاملها اعتنقت الديانة المسيحية.[235] وبحسب تقرير لوكالة الأنباء رويترز تقدر أعداد المغاربة المسيحيين المحليين بأنه يزيد عن 50,000 شخص، لكن ليس هناك وجود لإحصاءات رسميَّة.[236] بالمقابل شكك مصطفى كريم وهو زعيم مسيحي مغربي ومن رواد «تنسيقية المغاربة المسيحيين» أنَّ عدد المغاربة المسيحيين 150,000 وقال أيضاً أن العدد ربما يصل لمليون؛ معظمهم يتعبد بسريًّة خوفًا من الاضطهاد.[237]
  • في  تونس أشار مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل للولايات المتحدة إلى وجود الآف التوانسة تحولوا إلى المسيحية.[238]
  • في  العراق أشار شاك كلوزين إلى ان أكثر من 5,000 عراقي تحول إلى المسيحية منذ عام 2003.[29]
  • في  قيرغيزستان أشار تقرير حكومي إلى أن آلاف المسلمين يرتدون عن الإسلام ويعتنقون المسيحية في قرغيزيا سنويًا.
  • في  أذربيجان أشارت بعض التقارير إلى اعتناق 5,000 أذربيجاني الديانة المسيحية في الآونة الأخيرة.[47][47]

مراجع

انظر أيضًا