يسوع في المسيحية

يُعتقد في المسيحية أن يسوع هو ابن الله، وفي العديد من الطوائف المسيحية الرئيسية، يُعتقد أيضًا أنه الشخص الثاني في الثالوث. يؤمن المسيحيون أن الله -من خلال صلبه وقيامته اللاحقة- منح البشر الخلاص والحياة الأبدية.[1] يُعتقد أنه المشيح اليهودي المُتنبأ عنه في الكتاب العبري، المُسمى العهد القديم في المسيحية. تؤكد هذه التعاليم أن يسوع، باعتباره حمل الله، اختار أن يتألم على الصليب في الجلجثة علامةً على طاعته لمشيئة الله، باعتباره «وكيل وخادم الله».[2][3] مات يسوع ليكفر عن الخطية ليصلح البشرية مع الله.[4] اختيار يسوع يجعله رجلًا طائعًا، على النقيض مع عصيان آدم.[5]

المسيح ضابط الكل في دير دافني من القرن الثاني عشر الميلادي

يؤمن المسيحيون أن يسوع كان إنسانًا وإلهًا -ابن الله- معًا. في حين كان هناك جدال لاهوتي حول طبيعة يسوع، يؤمن المسيحيون الثالوثيون أن يسوع هو كلمة الله، والله المتجسد، و‌الله الابن، و«إله حقيقي وإنسان حقيقي»، إلها كاملًا وإنسانًا كاملًا. عانى يسوع -الذي صار بشريًا كاملًا من جميع الجوانب- آلام وتجارب الإنسان الفاني، لكنه كان بلا خطية.

وفقًا للكتاب المقدس فإن الله أقامه من الأموات.[6] صعد إلى السماء ليجلس عن يمين الله، وسيعود إلى الأرض ثانيةً من أجل يوم القيامة وتأسيس ملكوت الله.[7][8]

التعاليم الأساسية

على الرغم من تباين الآراء المسيحية عن يسوع، يمكن تلخيص العناصر الأساسية للمعتقدات التي تشترك فيها الطوائف المسيحية الرئيسية استنادًا إلى تعاليم الكنيسة أو النصوص الطائفية.[9][10][11] تُستمد الآراء المسيحية عن يسوع من مصادر مختلفة في الكتاب المقدس، وخصوصًا من الأناجيل القانونية ورسائل العهد الجديد مثل رسائل بولس. يعتقد المسيحيون في الغالب أن هذه الأعمال صحيحة تاريخيًا.[12]

المجموعات أو الطوائف المسيحية الملتزمة بما يُعتبر مسيحية أرثوذكسية بحسب الإنجيل تتفق جميعها تقريبًا على أن يسوع:[13]

  • وُلد من عذراء.
  • إنسانًا كاملًا وهو إله كامل أيضًا.
  • بلا خطية.
  • صُلب ودُفن في قبر.
  • قام من الأموات في اليوم الثالث.
  • صعد في النهاية راجعًا إلى الله الآب.
  • سيعود إلى الأرض.[14]

بعض الجماعات التي تُعتبر مسيحية تؤمن بمعتقدات تُعتبر بدع. على سبيل المثال، يرفض المؤمنون بالمونوفيزية أن للمسيح طبيعتين، واحدة بشرية وأخرى إلهية.

المعالم الخمسة الرئيسية في رواية الإنجيل عن حياة يسوع هي معموديته، وتجليه، وصلبه، وقيامته، وصعوده.[15][16][17] تُدرَج عادًة بين حلقتين أخرتين: مولده في البداية وإرسال البارقليط (الروح القدس) في النهاية.[17] غالبًا ما تُعرَض روايات الأناجيل عن تعاليم يسوع ضمن فئات محددة تشمل «أعماله وأقواله»، مثل: خدمته وأمثاله ومعجزاته.[18][19]

لا يعلق المسيحيون أهمية لاهوتية على أعمال يسوع فحسب، بل يعلقون أيضًا على اسمه. يعود التعبد لاسم يسوع إلى الأيام المبكرة للمسيحية.[20][21] أيضًا هو موجود اليوم في المسيحية الشرقية والمسيحية الغربية -الكاثوليكية والبروتستانتية- على السواء.[21]

يؤمن المسيحيون بصورة أساسية أنه من خلال حياة يسوع وموته وقيامته،[22] استعاد الشركة مع الله بدم العهد الجديد. يُفهم موته على الصليب باعتباره تضحية خلاصية: ينبوع خلاص البشرية وكفارة للخطيئة التي دخلت التاريخ البشري من خلال خطيئة آدم.[23]

المسيح، ابن الله وكلمته

قال لهم: «وأنتم، من تقولون إني أنا؟». فأجاب سمعان بطرس وقال: «أنت هو المسيح ابن الله الحي!». (متى 16: 15,16).«المسيح هو وسيط، ولكن … اللقب يعني أكثر من كونه شخص بين الله والإنسان. إنه ليس مجرد طرف ثالث بين الله والبشرية ... فهو -بصفته الإله الحقيقي- يجلب الله إلى الجنس البشري. وبصفته إنسانًا يجلب الجنس البشري إلى الله».

يعتبر معظم المسيحيين عمومًا أن يسوع هو المسيح، والمشيح الذي طال انتظاره، وابن الله الوحيد. تزود الكلمات الافتتاحية في إنجيل مرقس (1: 1)، «بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله»، يسوع بصفتين مميزتين بصفته المسيح وابن الله. ويعيد مرقس (1: 11) تأكيد ألوهيته. متى (1: 1)[24] الذي يبدأ بمناداة يسوع المسيح، وفي العدد السادس عشر يوضح ذلك مجددًا بتأكيد: «يسوع الذي يدعى المسيح».

كلمة «المسيح» في رسائل بولس الرسول ترتبط ارتباطًا وثيقًا بيسوع حتى أنه للمسيحيين الأولين -كما يبدو- لم تكن هنالك حاجة إلى الإدعاء أن يسوع هو المسيح، لأن ذلك اعتُبر مقبولا على نطاق واسع بينهم. لذلك استطاع بولس أن يستخدم مصطلح خريستوس (المسيح) بدون أن يكون هناك التباس حول من يُشار إليه، مثلما أيضًا في كورنثوس الأولى (4: 15) ورومية (12: 5)، استطاع أن يستخدم عبارات مثل «في المسيح» للإشارة إلى أتباع يسوع.[25]

أُطلق لقب «ابن الله» في العهد الجديد على يسوع في مناسبات عديدة.[26] يُستعمل غالبًا للإشارة إلى ألوهيته، من بداية البشارة حتى الصلب. صدر الإعلان بأن يسوع هو ابن الله عن أفراد كثيرين في العهد الجديد، وعن الله الآب في مناسبتين كصوت من السماء، وأُكد من يسوع نفسه.[27][28][29]

في علم الكرستولوجيا، كان المفهوم القائل بأن المسيح هو اللوغوس (أي «الكلمة») مهم في تأسيس عقيدة ألوهية المسيح ومركزه باعتباره الله الابن في الثالوث كما هو مذكور في قانون الإيمان الخلقدوني. نبع ذلك من افتتاحية إنجيل يوحنا، والشائع ترجمتها إلى العربية كالتالي: «في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله».[30] في اللغة اليونانية الأصلية، يستخدم مصطلح «لوغوس» (λόγος) تعبيرًا عن «الكلمة»، وفي النقاش اللاهوتي، غالبًا ما تُترك في شكلها المترجم بالعربية، أي «لوغوس».

يشير مصطلح وجود المسيح السابق إلى عقيدة الوجود الشخصي للمسيح قبل الحبل به. إحدى الفقرات ذات الصلة في الكتاب المقدس هي يوحنا (1: 1-18)، إذ أن المسيح -حسب المفهوم الثالوثي- مُعرّف بالوجود السابق للأقنوم الإلهي الذي يُدعى اللوغوس أو الكلمة. تتكرر هذه العقيدة في يوحنا (17: 5) عندما يشير يسوع إلى المجد الذي حظي به مع الآب «قبل كون العالم» خلال خطابه الوداعي. يشير يوحنا (17: 24) أيضًا إلى الآب الذي يحب يسوع «قبل إنشاء العالم». تختلف الآراء اللاثالوثية عن الوجود السابق للمسيح، إذ يرفضه البعض ويقبله البعض الأخر.

بعد العصر الرسولي، من القرن الثاني فصاعدًا، نشأت عدة خلافات حول ارتباط الإنسان والإله في داخل شخص يسوع. في النهاية في عام 451، أُقر مفهوم الاتحاد الأقنومي، أي أن يسوع هو إلهًا كاملًا وبشريًا كاملًا. مع هذا، استمرت الاختلافات بين الطوائف المسيحية بعد ذلك، ورفض البعض الاتحاد الأقنومي لصالح المونوفيزيين.[31][32][33][34][35]

التجسد والميلاد وآدم الثاني

«الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ.». كولوسي (1: 15، 16).

تعتبر الآية أعلاه من كولوسي ولادة يسوع نموذجًا لكل الخليقة. اعتبر بولس الرسول ولادة يسوع حدثًا ذا أهمية كونية أنجب «إنسانًا جديدًا» محا الضرر الذي سببه سقوط الإنسان الأول آدم. مثل نظرة يوحنا ليسوع باعتباره اللوغوس المتجسد تؤكد على الأهمية العالمية لولادته، يؤكد منظور بولس على ميلاد إنسان جديد وعالم جديد في ميلاد يسوع. نظرة بولس الأخروية إلى يسوع تدحض موقفه باعتباره إنسانًا جديدًا يتحلى بالأخلاق والطاعة، على النقيض من آدم. بعكس آدم، يطيع الإنسان الجديد المولود في يسوع الله ويبشر بعالم من الأخلاق والخلاص.[36]

مصادر

انظر أيضًا