الصحافة في لبنان: يمكن القول إن أول صدور لصحيفة سياسية لا تمثل السلطة في المشرق العربي، كانت من العاصمة اللبنانية بيروت، وهي جريدة «حديقة الأخبار» للصحافي خليل الخوري (1836 – 1907)، مطلع كانون الثاني (يناير) 1858[1][2]، أي قبل نحو قرن ونصف القرن.[3] وقبل هذا التاريخ بنحو ثلاث سنوات وتحديدًا في العام 1855، وصف اللبناني رزق الله الحلبي بإمـام النهضة الصحفية لإصداره أول جريدة باللغــة العـربيـة أسماهـا «مرآة الأحـوال» فـي عاصمة الدولــة العثمانية، الأستانة.[4] ثم أصدر المعلم بطرس البستاني صحيفةنفير سوريا في العام 1860 في بيروت، وكانت تدعو إلى الوحدة الوطنية إثر مذابح 1860 الطائفية، وتلتها صحيفة «النشرة الشهرية» الدينية في العام 1863، على يد المرسلين الأميركيين.
أما الصحيفة الأولى فـي جـبـل لبنـان، فهـي جريدة الرسمية التي أصدرها المتصرف داوود بـاشا فـي بيت الدين سنة 1867[2]، وصدرت جريدة لبنان الرسمية هذه في أربع صفحات أسبوعيًّا شأن سائر الصحف آنذاك، نصفها عربي ونصفها الآخر فرنسي، وطبعت في مطبعة خاصة بها استقدمها المتصرف إلى بيت الدين.[5]
تقول الكاتبة ليلى حمدون في استعراضها الصحف العربية التي صدرت في العهد العثماني بدءًا من منتصف القرن التاسع عشر:
"نجد أن أغلبها صدر عن لبنانيين أو كان للبنانيين فضل في إصدارها، كالكونت رشيد الدحداح الذي أصدر جريدة “برجيس باريس” العام 1858، وأحمد فارس الشدياق الذي أصدر “الجوائب” في إسطنبول العام 1860".[4]
وقد اندفع اللبنانيون إلى إصدار الصحف في بيروت بكثرة مدهشة، حتى أنه صدر في العام 1870 سبع جرائد ومجلات، أهمها:
- «البشير» أسبوعية، وقد أنشأها الآباء اليسوعيون، وكان شعارها: «تعرفون الحق والحق يحرّركم». وبعد الحرب العالمية الأولى، أخذت تصدر يومية إلى أن توقفت عن الصدور العام 1947.
- «الجنة» أسبوعية تجارية أدبية، أصدرها سليم البستاني في بيروت العام 1870، أخذت تصدر مرتين في الأسبوع حتى سنة 1881، فصارت تُطبع في المطبعة الأدبية لصاحبها خليل سركيس. حينئذٍ، اتفق المعلم بطرس البستاني صاحب «الجنان» وسليم البستاني صاحب «الجنة» وخليل سركيس صاحب «لسان الحال»، على ضمّ هذه الصحف إلى إدارة واحدة ومطبعة واحدة. وظلت «الجنة» تصدر بطابع مستقل حتى وفاة صاحبها عام 1884، فتحوّل الامتياز إلى أخيه خليل الذي أصدرها مدة عامين، ثم أوقفها بسبب اشتداد الرقابة على الجرائد في تلك الفترة.
أما «الجنان» التي أصدرها المعلم البستاني العام 1870، فقد كانت تصدر مرتين في الشهر، وكان شعارها «حب الوطن من الإيمان». وبعد وفاة البستاني (1883)، تحوّل امتيازها إلى ابنه سليم ثم نجيب، ثم توقفت سنة 1887. وفي العام 1887 أيضًا، أنشأ القس لويس صابونجي «النحلة» أسبوعية، واستمرت في الصدور حتى العدد 31 منها، حيث أمر راشد باشا والي سوريا بتعطيلها.
أما «لسان الحال» لخليل سركيس فصدرت في العام 1877، وهي صحيفة سياسية وظهر فيها أول إعلان مصور، وفي العام 1891 أصدر خليل بدوي صحيفة «الأحوال»، وهي أول صحيفة يومية في السلطنة العثمانية.
دخلت المرأة اللبنانية مبكرًا إلى عالم الصحافة، فأصدرت سليمة أبي راشد مجلة «فتاة لبنان» في العام 1914. ومن ثم توالت النهضة الصحفية النسائية في لبنان؛ فأصدرت ماري يني «مينرفا» العام 1917، كما أصدرت ماري زمار «فتاة الوطن» في زحلة، وفي العام نفسه أيضا أصدرت عفيفة صعب «الخدر». وأصدرت حبوبة حداد أول مجلة نسائية لبنانية في أوروبا، وهي مجلة الحياة الجديدة التي أنشأتها في العاصمة الفرنسية باريس في العام 1920، ثم في بيروت.[6]
على الرغم من انتقال السيطرة على بلاد الشام (تحديدًا سوريا ولبنان) آنذاك، من الحكم العثماني إلى دولة الانتداب (1920 - 1943)، ظل صدور الصحف في لبنان في ارتفاع، عبر موضوعات وقضايا مختلفة: أدبية وسياسية، ودينية، وحزبية...[7]
صدر في عهد السلطان عبد العـزيز الـذي اعتلـى العـرش سنة 1861، قـانون الولايات العثمانية سنة 1864، وأتبعـه فـي أواخـر العــام نفسه بقـانـون المطبوعات العثمـاني.
وفي العام 1909، صدر قانون المطبوعات وفق الدستور العثماني، لتزداد الامتيازات الصحفية، وتبعها حركات سياسية مختلفة الأهداف والأبعاد. وظل القانون العثماني الثاني المتعلق بعمل الصحف، ساري المفعول في لبنان، حتى بعد دخول السلطة الفرنسية المنتدبة بخمس سنوات. وقد زودت سلطات الانتداب قلم المطبوعات بالأموال الوفيرة لدفع الإكرامات، وأطلقت حرية إصدار الصحف فكثر حَمَلة المباخر.[8]
ويتألف القانون العثماني للصحافة، من أربع قوانين، هي: قانون النشر الأساسي: 37 مادة، وقانون المطابع: 13 مادة، وقانون حق التأليف: 42 مادة، وقانون جرائم المطبوعات: 8 مواد. وقد منح هذا القانون حريات أوسع للصحافيين. لكن نتيجة لهذه الحريات حاول المستفيدون منه استثماره، مما حمل السلطات العثمانية على تعديله 3 مرات. أقامت مشادات عنيفة في «مجلس المبعوثان» ونتيجة لهذه الحريات كان عدد الصحافيين الذين أعدموا مع الشهداء عقب إعلان الحرب العالمية الأولى (1914– 1918)، 16 صحفيًّا من أصل 31 شهيدًا.
أسست حكومة لبنان الكبير صحيفتها الرسمية المعروفة بجريدة لبنان الكبير الرسمية سنة 1921، وذلك بعد إعادة تنظيم المنطقتين الشرقية والغربية في سوريا ولبنان، وقيام دولة لبنان الكبير في أول أيلول سنة 1920 تحت سلطة الانتداب الفرنسي، وتعدّ الصحيفة الثامنة في سلسلة الجرائد الرسمية الصادرة في لبنان، وقد مثل صدورها حلقة لاستكمال الوجه الرسمي للكيان السياسي الجديد لإذاعة الأوامر والقرارات والإعلانات الرسمية والخاصة على الجمهور عموماً وعلى الأعيان ورجالات الدولة خصوصاً للتقيد بمضمونها.[2]
في العام 1923 صدرت صحيفة «L'orient» (الشرق) العام 1923، وفي العام 1924، وضع الفرنسيون قانوناً جديداً للصحافة مؤلفاً من 66 مادة بدلاً عن القانون العثماني الثاني، فكان أوله حلواً وآخره مراً، فقد قيد الحريات الصحفية بنسبة القانون العثماني الأول، وأبطل القانون تحديد سنوات الدراسة للذين يودون ممارسة الصحافة. وكان القانون العثماني يفرض الشهادة التعليمية لسبع سنوات، فجاء القانون الفرنسي يقول: كل من وقّع اسمه يعتبر متعلماً ويحق له ممارسة الصحافة.
بعد مرور سنة على صدور القانون الفرنسي، وعقب إطلاق الحاكم «كايلا» عبارته المشهورة: «الكلاب تنبح والقافلة تمشي»، قامت قيامة الصحافة عليه، فاضطر إلى تعديل القانون.[8]
في الفترة نفسها أيضًا، شهدت الصحافة في لبنان، إصدارات حزبية عدّة منها: صوت الشعب للحزب الشيوعي - 1937، والعمل لحزب الكتائب - 1939.
وقبل هذين التاريخين، صدرت جريدة «النهار» للصحافي جبران تويني في العام 1933، وهي لا تزال تصدر حتى اليوم.
من الأزمات، اتخذت الصحافة اللبنانية نهضة، فعند اعتقال سلطات الانتداب الفرنسي رجال الاستقلال في «قلعة راشيا» العام 1943، أُطلقت صحيفتان: إحداهما تحمل شعار علامة الاستفهام (؟)، والأخرى شعار علامتي استفهام (؟؟)، لتعبئة الشعب اللبناني ضد الانتداب، وبالفعل جرى إطلاق سراحهم في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1943، الذي يعدّ يوم الاستقلال اللبناني.
وفي خلال الفترة الممتدة بين الأعوام 1930 والعام 1943، انخرطت الصحافة اللبنانية في خط النضال السياسي بقوة، ونشرت الأفكار الوطنية في البلاد، فكانت مساهمتها في معركة الاستقلال أساسية. وقد تعرّضت من جراء ذلك لضغوط السلطة الفرنسية المنتدبة. وكان من أبرز الصحافيين الذين التزموا ذلك الخط: جبران تويني، ميشال شيحا، جورج نقاش، ميشال زكور، يوسف الخازن وخيري عوني الكعكي.
ومن الصحف الرئيسة التي صدرت في مرحلة الانتداب: صوت الأحرار، والنداء، وبيروت، ولبنان، واللواء، والبلاد، والدبور، والديار، وآسيا، والعمل، والنهار، والشرق. فضلا عن صحيفة «الحياة» لكامل مروة في العام 1946.
لم يقتصر الدور النشط للبنانيين في إصدار الصحف في العهد العثماني والانتداب فحسب، بل امتد إلى بلاد المهجر، وفي ما يلي أبرز الصحف والمجلات اللبنانية التي صدرت في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين:
صدرت في مطلع العام 1888، أول جريدة عربية في نيويورك في مغامرة جريئة، أصدرها نجيب عربيلي اللبناني، وأسماها «كوكب أميركا». وفي العام 1894 أصدر نعوم مكرزل «العصر» في فيلادلفيا، ثم أصدر في العام 1898 مطبوعة «الهدى» في نيويورك التي ما زالت مستمرة بالظهور. وفي العام 1897 أصدر يوسف المعلوف «الأيام» كما صدرت في نيويورك صحف لبنانية أخرى أمثال: «مرآة الغرب» لنجيب دياب، و«الحارس» لأمين الغريب، و«الشعب» ليوسف مراد، و«الفنون» لنسيب عريضة، و«السمير» لإيليا أبو ماضي، و«السائح» لعبد المسيح الحداد.
أما في المكسيك فصدرت «الشرق» العام 1905 لصاحبها كرم البشعلاني و«المطامير» لسعيد عقل، و«صدى المكسيك» لبطرس طوبيا، و«الخواطر» ليوسف الحلو، و«الصاعقة» ليوسف مسلم، و«الاعتدال» ليوسف غسطين، و«القسطاس» لفريد سليم. و«الفرائد» لخليل نصر وداوود شرتوني، كما صدر باللغة الإسبانية «الردوندفيل» لإبراهيم البيطار، و«الأمير» لألفونس عواد.
في الأرجنتين صدرت أول صحيفة عربية في العاصمة باسم الأرجنتين «صوت الفيحاء» لسليم بالش في العام 1894، وأصدر الخوري يوحنا سعيد «الصاعقة»، ثم «صدى الجنوب» في العام 1898، وأصدر شكري الخوري وخليل شاوول «الصبح» العام 1899، ثم تبعتها صحف جديدة أخرى، منها «الزمان» لميخائيل السمرا، «المرسل» لموسى عزيزة، «الإصلاح» لجورج صوايا، «التمدن» للدكتور حبيب أسطفان، «الحياة» لجورج عساف، «الاتحاد اللبناني» لرشيد رستم.
صدرت أول جريدة عربية في شيلي باسم «المرشد» للخوري بولس الخوري في العام 1913، و«المنبر» ليوسف مسعد في العام 1915، و«الوطن» لداوود مجاعص في العام 1919، و«التفاهم» لأنطون الجمل، و«الاعتدال» لتوفيق ضعون، و«النشرة العربية» لسليمان عويس. كما صدرت باللغة الاسبانية جريدة «العالم العربي» لجرجس أبو صالح، و«لانيزول» لاسيس فارس.
كانت جريدة «الرقيب» أول جريدة عربية أنشأها نعوم اللبكي في العاصمة البرازيلية العام 1896، وفي العام 1898 أصدر شكري الخوري «الأصمعي» في سان باولو وأصدر «أبو الهول» العام 1906، وأصدر نعوم اللبكي وفارس نجم «المناظر» في سان باولو العام 1899 أيضاً. وتوالت صدور صحف جديدة منها: «الأفكار» للطبيب سعيد أبو جمرة و«البرازيل» لقيصر المعلوف، و«الميزان» لإسطفان الغلبوني و«والجالية» لجورج مسرة، و«فتى لبنان» لرشيد عطية، و«الأمازون» لفارس دبغي، و«الجريدة» للدكتور خليل سعادة، و«الكرامة» لسلوى سلامة، و«الشرق» لموسى كريم و«القصة الأندلسية»، والحمراء...
قدمت الصحافة اللبنانية العشرات من الرواد في العمل الصحافي في العالم العربي، كذلك قدمت عشرات الشهداء، وخصوصًا في الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت من العام 1975 إلى العام 1990، وصولاً إلى بدايات القرن الحادي والعشرين. فإلى جانب الرواد غسان جبران تويني وسعيد فريحة وطلال سلمان، يمكن أن نذكر أيضًا:
هذا المقال لم يكن سوى النموذج لكتاباته النابعة من التزامه في النضال في سبيل استقلال لبنان وحريته وسيادته. سافر إلى باريس العام 1908 متنقلاً في جريدتي «باريز» و«نهضة العرب»، أقام في الإسكندرية والمنصورة عشرة أعوام حرر فيها جريدة «الدلتا». رجع إلى بيروت العام 1923 وحرر في جريدة «الحرية». كما ساهم في إنشاء «الأحرار» مع سعيد صباغة وخليل كسيب قبل أن يؤسس «النهار». ترأس في العام 1946 نقابة الصحافة، وفي العام 1947 توفي في سانتياغو وجيء بجثمانه إلى بلده في العام ذاته.«إن الحكم الدستوري عائد لا محالة لأن صك الانتداب الذي أقام فرنسا وليّة على سوريا ولبنان نص في مادته الثانية على أن تقيم فرنسا في هذه البلاد نظاماً نيابياً للحكم، بالاتفاق مع السلطات الأهلية. ولن تستطيع فرنسا أن تنقض صك الانتداب».[10]
لم ينهض لبنان من كبوته في الوقت الذي كبا فيه ادوار صعب، ولن ينهض.«إن لبنان سيحتجب فترة. ومنذ اليوم وحتى عشرين عامًا، سوف يفقد لبنان سيادته وحرية قراره. لكن بعدها سينهض كبيرًا من كبوته منتصرًا على الأعاصير كلها».
كانت لمروة كلمات أخرى سيقولها في الذكرى السنوية لطويلة، لكن رصاصات أطلقها ثلاثة مجهولين على «الشيخ» (وهو لقب أطلق على حسين مروة) في مهده كانت كفيلة بوضع حد لحياة من «ولد شيخاً ومات طفلاً» في 24 شباط 1987.«شهيدًا شيوعيًّا صحافيًّا مات سهيل طويلة. موت الشهيد الشيوعي موت آخر. هو التقمص من نوع آخر، انه يتقمص الحياة الأوسع والأعمق حياة كل الطيبين...».
يعد تمثال الحرية وسط العاصمة بيروت (ساحة الشهداء)، مثالاً يرمز إلى نضالات الصحافيين وأصحاب الفكر والقلم في لبنان؛ فعلى مدى أكثر من 150 عامًا والصحافة اللبنانية متميزة منذ العهد العثماني، مرورا بالانتداب الفرنسي، وصولا إلى عهد الاستقلال وما بعده، لكنها منذ سنوات، تواجه انتكاسة مع تخبط عدد من المؤسسات الصحافية بسبب الضائقة المادية، وثورة الميديا، وانسحاب عالم الورق لمصلحة العالم الإلكتروني، فأغلقت جريدة السفير (في العام 2017) بعد نحو خمسين عاما من صدورها (تأسست في العام 1974)؛ كذلك أغلقت صحف الأنوار والبيرق والمستقبل... وما تبقى من صحف لا يزال يقاوم حتى اللحظة.
يكتب طلال سلمان صاحب جريدة «السفير» اللبنانية ورئيس تحريرها منذ آذار (مارس) 1974 حتى آخر عدد من صدورها بتاريخ 4 كانون الثاني (يناير) 2017، مقالة له على صفحته الخاصة في الإنترنت، في 01/ 10/ 2018، جاء فيها:[12]
قُضي الأمر: انتهى عصر الصحافة المكتوبة في لبنان.
.. وها هي، خارج لبنان، تعود إلى بيت الطاعة: صحافة حكام وصحافة معارضة مدجنة لا تعبر ـ عن الناس وطموحاتهم ومطالبهم، وانما عن صراع أجنحة السلطة ومعها المعارضات المدجنة.
أما في لبنان فتوزعت بين السلطة (وهي طائفية) والمعارضات متعددة الشعار، وهي في أصل تكوينها طائفية..
صحف الحاكم هي الأغنى والأقدر على استقطاب الكتّاب والكوادر المهنية ـ كما انها تكاد تحتكر السوق الاعلانية، رسمية بالأساس، وتجارية وصولاً إلى الاعلانات المبوبة.
فأما الصحف «الطبيعية»، وبغض النظر عن “رسالتها” ومن وما تمثله، وحجم توزيعها في “السوق” فإنها أن هي وجدت “المشترك” فإنها لن تجد “المعلن” وبالتالي فان توزيعها سيظل محدوداً، واستطراداً فان تأثيرها سيبقى محدوداً.
هل من الضروري التذكير بأن الصحافة، وبغض النظر عن مستواها المهني، وعن عقائدية كتّابها ومحرريها أو حيدتهم المغلفة بالأصول المهنية، تبقى ـ من حيث المبدأ ـ في موقع “الملك العام”، طالما انها مطروحة امام “الجميع” بغض النظر عن اديانهم وطوائفهم ومعتقداتهم ومواقفهم السياسية".
ويضيف صاحب "السفير" قائلا بعد اقفال دار الصياد العريقة في عالم الصحافة العربية عمومًا واللبنانية خصوصًا، في التاريخ نفسه:
من الأخبار المحزنة أن دار الصياد، ذات العراقة والتراث المهني والفني ونتاجها السياسي “الأنوار” و”الصياد” والفني “الشبكة”، ومطبوعات عديدة أخرى بعضها لأزياء الأميرات والفنانات والعارضات الجميلات، وبعضها الأخير للإدارة العامة ومؤسسات الدفاع والأمن في دول الخليج، بعنوان أبي ظبي على وجه الخصوص…
من الأخبار المحزنة أن هذه الدار التي كانت على امتداد عهدها، منذ انطلاقتها مع استقلال لبنان عبر مجلة “الصياد” وحتى اقفالها قسراً، اليوم، إحدى المنارات السياسية والثقافية والفنية في لبنان والمنطقة العربية.
لقد اطفئت “الأنوار” في المبنى الذي كان «جامعة» يتخرج منها الصحافيون والكتّاب المبدعون ورسامو الكاريكاتور.. وقائمة الشرف طويلة تضم نخبة ممن سكنت أسماؤهم وجداننا (غسان كنفاني وجان مشعلاني، سليم نصار، هشام أبو ظهر وغيرهم كثيراً آخرهم القلم الممتاز رفيق خوري).
ولقد عملتُ في دار الصياد عشر سنوات متقطعة، متنقلاً بين إدارة التحرير في مجلة “الصياد” ثم كمحرر متجول لمحاورة القادة وتغطية الأحداث الخطيرة التي تفجرت بها الأرض العربية بين عهد جمال عبد الناصر وأيلول الاسود (1963 ـ 1970).. وصولاً إلى “حرب اكتوبر ـ رمضان 1973”)..
عملت فيها وهي تعيش ضائقة مادية حادة، سرعان ما تلتها انفراجات من دون أن يتخلى سعيد فريحه، وهو أحد ملوك الظرف، عن عشقه للفن والطرب وصداقته مع الكبار الذين لن يتكرروا: أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وصباح وعبد الحليم حافظ ووديع الصافي وفيلمون وهبه… وقد جاء التعبير عن هذا العشق بإنشاء «فرقة الأنوار» كمنافس للرحابنة وفيروز في زمن الدعة والازدهار الفني بعنوان مهرجانات بعلبك.
كان سعيد فريحة، الذي نشأ يتيماً وفقيراً وعمل صبي حلاق في حلب، قبل أن يعود إلى بيروت وقد «فك الحرف» وبدأ يمرن نفسه على الكتابة… وعمل في بعض المجلات والصحف التي كانت تصدر آنذاك. ولقد أُعجب سعيد فريحة برياض الصلح، أحد نجوم السياسة في مرحلة استقلال لبنان فرعاه وشجعه على إصدار “الصياد”، خصوصاً وقد لمس لديه شعوره الوطني الصادق معززاً بعروبة صافية.. ونجحت «الصياد» التي اعتمدت فن الكاريكاتور حيث الفكرة أهم من الرسم، سيما وان الهدف السخرية من “الخصوم” والترويج لنزعة الاستقلال والتقارب الجدي مع سوريا.
وحين تفجرت مصر بثورة 23 يوليو (تموز) 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، وجد سعيد فريحة “بطله” الذي عوضه غياب رياض الصلح مع انفتاح على أهداف الثورة: العروبة وصولاً إلى دولة الوحدة، ومقاومة الاستعمار، فرنسياً وبريطانيا، ونصرة عبد الناصر وهو يواجه العدوان الثلاثي على مصر (خريف 1956) ثم يتقدم لإنجاز الحلم العربي التاريخي بإقامة أول دولة للوحدة العربية في التاريخ الحديث: الجمهورية العربية المتحدة.
كان طبيعيا، في ظل هذه الفورة القومية، أن يندفع العديد من أهل الصحافة إلى إنشاء المنابر القومية: فأصدر سعيد فريحة “الأنوار”، بعد “الصياد” و”الشبكة” التي عبرت عن “مزاجه” الفني وعلاقته الوطيدة بكبار أهل الفن: ام كلثوم ومحمد عبد الوهاب وصباح وعبد الحليم حافظ الخ..
في غمرة هذا النهوض القومي أصدر رياض طه جريدة “الكفاح العربي” إضافة إلى مجلـة “الأحد” وأصدرت حركة القوميين العرب مجلة “الحرية”، كما أصدر “حزب النجـادة” ـ عدنان الحكيم ـ جريدة “صوت العروبة”، واقترب فريد أبو شهلا من هذا الخط بمجلته “الجمهور الجديد” الخ.
دارت رحى معركة شرسة بين “الانفصاليين” أو “الانعزاليين” و”القوميين”، في وقت كانت صحافة لبنان هي "صحافة العرب”.. خصوصاً وقد استدرج نفوذ عبد الناصر “الرجعية العربية” إلى هذا الميدان عبر جريدة “الحياة” التي بدأت هاشمية مع كامل مروة ثم انحازت إلى السعودية، في حين كانت جريدة “النهار” تمثل وجهة نظر الغرب مع رعاية الكيانية في لبنان، وان بزتها في ذلك جريدة “العمل” الكتائبية، بينما كان للغرب صحفه مباشرة: “الأوريان” باللغة الفرنسية لجورج نقاش، التي تعززت في ما بعد بـ”لوجور”، فضلا عن “الدايلي ستار” باللغة الإنكليزية وقد أصدرها كامل مروه أيضاً..
ويخلص طلال سلمان للقول في مقالته اليومية:
هذا حديث عن الماضي الجميل للصحافة في لبنان التي تعكس على صفحاتها مختلف التيارات السياسية والتوجهات الاقتصادية لجيلين أو ثلاثة من أجيال اللبنانيين، بل العرب في مختلف ديارهم، وعلى اختلاف أنظمتهم التي كثيرا ما استخدمت الصحافة في لبنان ميداناً لصراعاتها وخلافاتها السياسية والعقائدية.
ويؤكد أنه "في وداع دار الصياد، بإصداراتها العديدة، سياسياً وفنياً واجتماعيا، تتهاوى إحدى قلاع الصحافة في لبنان والوطن العربي، مشيرة إلى انتهاء عصر الصحافة المكتوبة، التي كانت ـ على تعدد منابرها ـ ساحة نقاش فكري وسياسي واقتصادي واجتماعي، تقدم بيروت كمنارة ثقافية ومولد أفكار وأرض صراع بين العروبة والكيانية، بين الوطنية وسياسة الالتحاق بالأجنبي وعلى حساب الحرية والهوية والقضايا العادلة لهذه الامة بعنوان فلسطين. رحم الله سعيد فريحة أحد الكبار ممن تركوا بصمتهم على مرحلة من أخصب المراحل واشقها وأروعها في تاريخ هذه الامة التي تكاد تضيع عن هويتها كما عن طريقها إلى مستقبلها".[12]
من أهم الصحف اللبنانية:
محمد الباقر 1946، وفريد أبو شهلا 1980، وتوفيق المتني 1967، ورأس رامز سركيس الهيئة الانتقالية لأرباب الصحف 1943.
في لبنان وكالتا أنباء تمتلكهما الدولة اللبنانية[14]، منها الوكالة الوطنية للإعلام (NNA)، المؤسسة الرسمية للأخبار في لبنان، أطلقت العام 1964.[15] كان عدد المشتركين في العام 1974 نحو 600.[15] والوكالة الثانية هي وكالة الأنباء المركزية.[14]
الصحافة في لبنان | |
---|---|
صحف يومية | |
مجلات | |
ملاحق أدبية | |
صحف الكترونية | |
جرائد سابقة | |
مجلات سابقة | حديقة الأخبار · ثمرات الفنون · الكشكول · الإقبال · جورنال بيروت · مجلة شعر · دراسات عربية · مواقف · الشبكة · الصياد · لا روفي دي ليبان |
جرائد ومجلات مناطقية |