اللغة البشرية

اللغة البشرية هي نظام يشمل تطوير واكتساب وصيانة واستخدام أنظمة اتصال المعقدة ، كما تشير أيضًا إلى القدرة البشرية التي تتيح هذه العمليات . و لغة واحدة هي مثال محدد لمثل نظام الاتصال هذا (على سبيل المثال، اللغة العربية ).

لوحة جدارية مكسيكية (القرن الثاني الميلادي) تظهر لفافة أو تخرج من فم الشخص لترمز إلى كلماته.
نقوش مسمارية .
طفلتان تتعلمان لغة الإشارة .
كتاب برايل .
فرديناند دي سوسير طور المنهج البنيوي لدراسة اللغة.
فرديناند دي سوسير وضع المنهج البنيوي لدراسة اللغة.

تتميز اللغة البشرية بخواص الإنتاجية والحركة ، وتعتمد اعتمادًا كليًا على الأعراف الاجتماعية والتعلم . يوفر نطاقًا أوسع بكثير من التعبيرات مقارنة بأي نظام آخر معروف في التواصل بين الحيوانات . من الممكن أن تكون اللغة قد تطورت عندما بدأ الهومو الأقدمين في تغيير أنظمة تواصلهم البدائية تدريجيًا، وتطوير القدرة على تكوين نظرية للعقل الآخر ومشاركة القصد المشترك ، وأن هذه التطورات قد تزامنت مع زياد حجم الدماغ .

تندرج الدراسة العلمية للغة كنظام اتصال ضمن  مجال  علم اللسانيات . ومن أبرز الشخصيات في  علم  اللسانيات : فرديناند دي سوسير ونعوم تشومسكي . تهتم التخصصات الأخرى باللغة وعلاقاتها بالفكر، مثل علم الاجتماع والفلسفة وعلم النفس وعلم الأعصاب وفقه اللغة . يتم استكشاف الأسس الفسيولوجية للغة في الدماغ البشري من خلال علم اللغويات العصبية و  . يتم دراسة تمفصلات  الكلام عن طريق علم  الصوتيات .

يسمح علم اللغة بوصف دقيق للغة وكل اللغات. وتعتمد جميع اللغات على عمليات سيميائية تربط بين علامات معينة و معانيها . وهكذا تحتوي اللغات الشفهية والإيمائية واللمسية على نظام صوتي يحكم كيفية استخدام الرموز لتكوين تسلسلات (ذات معنى) مثل الكلمات والموفيمات، ونظام نحوي يحكم كيفية الجمع بين الكلمات والمورفيمات لتكوين جمل وتعبيرات.

يبدأ اكتساب اللغة عند الإنسان في مرحلة الطفولة المبكرة من خلال التفاعل الاجتماعي . و استخدام اللغة متأصل بعمق في الثقافة الإنسانية، حيث، زيادة على وظيفتها التواصلية، تشغل وظائف متنوعة، مثل التعرف على المجموعة، والتقسيم الطبقي الاجتماعي ، والارتباط بالسياق الاجتماعي والترفيه .

تعريف

اشتقت كلمة "لغة" من اللغة الهندو أوروبية البدائية *dn̥ǵʰwéh₂s ، أو *dn̥g̑huhā ، *dn̥ǵ(h)wā- و *dhn̥ǵ(h)wā- ، والتي تعني "اللسان (العضو)، الكلام، واللغة"»,[1][2] ,.[3] و أعطي لها المصطلح اللاتيني lingua  من الكلمة اللاتينية القديمة(dingua)، " اللغة "، ثم قُدمت  في الفرنسية القديمة تحت مصطلح" language" »,.[2][3] و يُستخدم المصطلح أحيانًا أيضًا للإشارة إلى الرموز والأرقام في علم التشفير وأنماط أخرى من أنظمة الاتصالات الصناعية  التي تم إنشاؤها  مثل لغات الكمبيوتر المستعملة  في البرمجة الحاسوبية  . و بخلاف  اللغات البشرية ، فإن اللغة الصورية هي نظام رموز للتشفير وفك التشفير، و تتناول المقالة الحالية بشكل خاص خصائص اللغة البشرية الطبيعية كما تمت دراستها في تخصصات اللسانيات وعلم النفس اللغوي وعلم اللغة العصبي [ المرجع. ضروري ]

بصفته موضوعًا للدراسة اللغوية، فإن مصطلح "اللغة" له معنيان: مفهوم مجرد و نظام لغوي معين، مثل اللغة العربية . وقد حدد عالم اللسانيات السويسري فرديناند دي سوسير مجال اللسانيات  الحديثة، و صاغ بوضوح التمييز الصريح بين ثلاثة مصطلحات: اللغة (للتدليل  على المفهوم)، واللسان  (مثال محدد للنظام اللغوي) والكلام (الجانب الملموس لاستخدام الصوت في لغة معينة).[4]

عندما يُنظر إلى اللغة كمفهوم عام، فإن التعريفات المستخدمة تركز على جوانب مختلفة من الظاهرة.[5] وتعكس هذه التعريفات مقاربات مختلفة لفهم اللغة، وتشير إلى نظريات لسانية  مختلفة وأحيانًا غير متوافقة.[6] و يعود الجدل حول طبيعة ونشأة اللغة إلى العصور القديمة . حيث ناقش فلاسفة يونانيون، مثل جورجياس وأفلاطون ، العلاقة بين الكلمات والمفاهيم والواقع. ويعتقد جورجياس أن اللغة لا يمكنها تمثيل لا التجربة الموضوعية و لا  التجربة الإنسانية؛ و لذلك، فإن التواصل  والحقيقة أمران مستحيلان. أما أفلاطون، فيعتقد أن التواصل  ممكن، لأن اللغة تمثل أفكارا ومفاهيم موجودة بشكل مستقل عن اللغة، و موجودة قبلها ا,[7][8] ,.[9]

في عصر التنوير ونقاشاته حول الأصل النوع  البشري، أصبح التنظير  حول أصل اللغة شائعا. واقترح مفكرون مثل روسو وهيردر فكرة أن اللغة تنشأ من التعبير الغريزي عن المشاعر، وأنها كانت في الأصل أقرب إلى الموسيقى والشعر منه إلى  التعبير المنطقي للفكر العقلاني، بينما يعارض الفلاسفة العقلانيون مثل كانط وديكارت ذلك. وفي مطلع القرن العشرين، بدأ المفكرون يتساءلون عن دور اللغة في بناء تجربتنا عن العالم. ويطرحون أسئلة عما إذا كانت اللغة تعكس ببساطة البنية الموضوعية للعالم، أم أنها تخلق مفاهيم تؤثر على تجربتنا عن العالم الموضوعي. وأدت هذه الأفكار إلى التساؤل عما إذا كانت المشاكل الفلسفية ليست على وجه التحديد سوى مشاكل لغوية. و يرتبط انبعاث فكرة أن اللغة تقوم بدور هام في إنشاء المفاهيم   وتداولها ، وأن دراسة الفلسفة هي في الأساس دراسة للغة، بما يسمى بالانعطاف اللغوي وبالفلاسفة الذين يمثلونه ، ولا سيما فيتجنشتاين . وتستمر هذه المناقشات حول اللغة فيما يتعلق بالمعنى والمرجع، والإدراك والوعي[10]

القدرة العقلية عضو أو غريزة

تُعرف اللغة من بين تعريفاتها العديدة  بأنها قدرة ذهنية تسمح للإنسان بتعلم اللغات، و خلق  وفهم العبارات. و يؤكد هذا التعريف على وجود اللغة لدى جميع البشر، ويسلط الضوء على الركائز البيولوجية لهذه المهارة لدى الإنسان، .و التي نشأت عن تطور فريد في للدماغ البشري . و يستند الفلاسفة والباحثون الذين يتصورون قدرة الانسان على  الوصول الفطري إلى اللغة على  حقيقة أن أي طفل لديه نمو معرفي طبيعي ، ونشأ في بيئة تكون  فيها اللغة متاحة ، يكتسب اللغة دون تعليم رسمي. و يمكن أن تتطور اللغات أيضًا عفويا  في بيئات يعيش فيها الناس أو يكبرون معًا، دون لغة مشتركة؛ هذا هو الحال في  اللغات الكريولية ولغات الإشارة التي تطورت عفويا مثل لغة الإشارة النيكاراغوية . وتعود وجهة النظر هذه إلى فلسفة كانط وديكارت ، التي تعتبر اللغة فطرية إلى حد كبير. و يشترك تشومسكي ، الذي طور نظرية النحو الشامل ، في هذه الرؤية، وكذلك الفيلسوف جيري فودور الذي طور نظرية فطرية متطرفة. وتُعتمد غالبًا هذه الأنواع من التعريفات في مجال العلوم المعرفية وعلم اللغة العصبي,.[11][12]

النظام الرمزي الشكلي  

نعوم تشومسكي هو أحد أهم منظري علم اللسانيات  في القرن العشرين.

يُنظر الى اللغة في تعريف أخر ، من زاوية  اعتبارها نظاما شكليا من العلامات تحكمه مجموعة من قواعد النحو التي تنقل المعنى. و يركز هذا التعريف على حقيقة أن اللغات البشرية يمكن وصفها بأنها أنظمة بنيوية مغلقة تتكون من قواعد تربط رموزا  معينة بدلالات.[13] و تم تقديم هذا المنهج البنيوي لأول مرة من قبل فرديناند دي سوسير[14] ولا تزال بنيويته أساس العديد من المقاربات المعاصرة للغات.[15]

دافع بعض أنصار أفكار سوسير حول اللغة عن مقاربة شكلية  تدرس بنية اللغة بدءًا من حصر  عناصرها الأساسية. بعد ذلك تحاول هذه الدراسة وصف القواعد التي تندمج فيها هذه العناصر لتكون كلمات وجمل. والداعم الرئيسي لهذه النظرية هو نعوم تشومسكي ، مؤلف نظرية النحو التوليدي والتحويلي ، الذي عرّف اللغة بأنها بناء جمل تُوَلّد باستخدام القواعد التحويلية [16]، و يعتقد تشومسكي أن هذه القواعد سمة فطرية  في العقل البشري وتشكل أساسيات اللغة.[17] من ناحية أخرى، تُعتمد مثل هذه القواعد النحوية  التحويلية أيضًا بشكل شائع لتوفير تعريفات شكلية للغة تستخدم عادة في المنطق الصوري ، وفي النظريات الشكلية  للنحو ، وفي اللسانيات الحاسوبية التطبيقية,.[18][19] وفي فلسفة اللغة ، يتصور فلاسفة أمثال ألفريد تارسكي وبرتراند راسل وعلماء المنطق الشكلانيين المعنى اللغوي على أنه يكمن في العلاقات المنطقية بين الافتراضات  والواقع.

أداة تواصل

يركز تعريف آخر للغة على باعتبارها نظاما للتواصل يسمح للبشر بتبادل العبارات اللفظية أو الرمزية. ويؤكد هذا التعريف على الوظائف الاجتماعية للغة ، وحقيقة  أن البشر يستخدمونها للتعبير عن أنفسهم و التعامل مع الأشياء في محيطهم. و تشرح النظريات الوظيفية للنحو البنيات النحوية من خلال وظائفها التواصلية. فهي تنظر الى  البنيات النحوية للغة على أنها نتيجة لعملية تكيف تم من خلالها تطوير قواعد «مصممة خصيصًا» لتلبية احتياجات التواصل لمستخدميها.,.[20][21]

يرتبط هذا الرأي بدراسة اللغة في مجالات التداولية ، والمعرفية ، وعلم الاجتماع اللغوي  ، والأنثروبولوجيا اللغوية و تميل النظريات الوظيفية إلى دراسة النحو كظاهرة ديناميكية، حيث تتطور البنيات باستمرار تبعا لاستخدام المتحدثين. لذلك، يعطي هذا الرأي أهمية كبيرة لدراسة التصنيف اللغوي ، أي تصنيف اللغات وفقا لخصائصها البنيوية ، لأن العمليات النحوية تميل إلى اتباع مسارات تعتمد جزئيًا على التصنيف.[19] و في فلسفة اللغة، غالبًا ما يتم ربط فكرة: أن التداولية هي جوهر اللغة والمعنى بالأعمال المتأخرة لفيتجنشتاين ، وبالفلاسفة من قبيل  جيه . إل. أوستن ، بول جرايس ، جون سيرل ، و يلارد فان أورمان كواين[22]

الوضع الفريد للغة البشرية

البوماتوستوم ذو القبعة البنية

تمتلك اللغة البشرية خصائص فريدة إذا قارنها بأنماط أخرى من التواصل الحيواني. و تستخدم حيوانات أخرى مثل النحل أو القردة أنظمة للتواصل لكنها أنظمة مغلقة و تتكون من عدد محدود من الأفكار التي يمكن التعبير عنها ، و بشكل عام هي قاصرة  للغاية.[23][24]

اللغة البشرية منفتحة ومنتجة ، من حيث أنها تسمح للبشر بخلق  مجموعة واسعة من الجمل من مجموعة محدودة من العناصر وإنشاء كلمات وجمل جديدة. و يمكن تفسير هذه الظاهرة من خلال حقيقة أن اللغة البشرية تعتمد على رمز مزدوج، حيث يمكن ضم عناصر مثل الأصوات والحروف أو الإيماءات لتكوين وحدات جديدة ذات معنى مثل الكلمات والجمل[25].. في عام 1961، لاحظ أندريه مارتينيه لأول مرة ما أسماه التمفصل  المزدوج للغة[26] ، والذي يميز اللغة البشرية من خلال إبراز المرونة الكبيرة لتراكيبها .و بالنسبة لأندريه مارتن، "التمفصل  الأول هو الطريقة التي يتم بها ترتيب التجربة المشتركة لجميع أعضاء مجتمع لغوي معين"، في حين أن التمفصل  الثاني هو "الشكل الصوتي"، ويمكن مقاربته على أساس  أنه "تسلسل وحدات" صوتية.[26]

طائر الكراتيروب ذو  اللونين (Turdoides bicolor) من جنوب إفريقيا.

ومع ذلك، أظهرت دراسة أن طائرا أستراليا، وهو طائر البوماتوستوم ذو غطاء الرأس البني  ( Pomatostomus ruficeps )، قادر على استخدام عناصر صوتية متشابهة في تنسيقات مختلفة لإنشاء نطقين مختلفين وظيفيا.[27] بالإضافة إلى ذلك، تم اكتشاف أن  طائر الكراتيروب ذو  اللونين ( Turdoides bicolor ) على توليد نٌطْقَين  مختلفتين يتكونان من نفس النوع من الصوت، والذي لا يمكن تمييزهما  إلا من خلال عدد العناصر المتكررة [28]

يتواصل البونوبو كانزي مع العالمة سو سافاج رامبو باستخدام الرموز المكتوبة ( ييركيش ).

وأظهرت أنواع عدة من  الحيوانات أيضًا أنها يمكنها اكتساب أشكال من التواصل من خلال التعلم الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، تعلم قرد البونوبو  كانزي التعبير عن نفسه باستخدام مجموعة من الرموز الدلالية . وبذات الطريقة ، تتعلم العديد من أنواع الطيور والحيتان أغانيها عن طريق تقليد أعضاء آخرين من نوعها. ومع ذلك، على الرغم من أن بعض الحيوانات يمكنها تعلم عدد كبير من الكلمات والرموز، إلا أن أيًا منها لا يتمتع بقدرة على تعلم الإشارات تكافئ  قدرة طفل يبلغ من العمر 4 سنوات، ولم تتعلم قواعد نحوية معقدة مثل تلك الموجودة في اللغة البشرية,.[24][29]

تختلف اللغات البشرية أيضًا عن أنظمة التواصل الحيواني في أنها توظف   فئات نحوية ودلالية من قبيل  الأسماء والأفعال، و أزمنة  المضارع والماضي، والتي تستعمل  للتعبير عن معان ذات تعقيد متزايد . كما أن خاصية التردد (récursivité)  في اللغة البشرية فريدة من نوعها: فعلى سبيل المثال، يمكن أن تحتوي المجموعة  الاسمية على مركب  اسمي أخر كما في "فم الشمبانزي") أو يمكن أن تحتوي الجملة على جملة أخرى (كما في "أرى الكلب الذي يركض"),.[29][30] كما أن اللغة البشرية هي النظام الطبيعي الوحيد المعروف الذي يمكن وصف قابليته للتكيف بأنه مستقل عن الوضعية. وهذا معناه أنه يمكن استعماله  ليس فقط للتواصل من خلال قناة أو وسيط واحد، ولكن أيضًا من خلال عدة قنوات. على سبيل المثال، تستخدم اللغة المنطوقة الوسيلة السمعية، بينما تستعمل لغات الإشارة والكتابة الوسيلة البصرية، و يعتمد نظام  برايل الوسيلة اللمسية [31]

تتميز اللغة البشرية أيضًا من حيث أنها يمكن أن تدل  على مفاهيم  مجردة، وأحداث خيالية أو افتراضية، وكذلك الوقائع التي حدثت في الماضي أو يمكن أن تقع  في المستقبل . تسمى هذه القدرة   على الإشارة إلى أحداث ليست  في نفس الزمان   أو المكان  الذي يتحدث به صاحب الكلام ب الانزياح . و على الرغم من أن بعض الحيوانات يمكن أن تستخدم الانزياح في تواصلها (مثل النحل الذي يمكنه التوصيل حول  موقع مصادر الرحيق التي تكون خارج مجال الرؤية)، إلا أن الانزياح المستخدم  في اللغة البشرية يعتبر  فريدا في  تعقيده,.[32][33]

وظائف اللغة

مخطط التواصل العام لجاكوبسون

حسب بعض اللغويين ، من المهم فهم الوظيفة الأساسية للغة، أي الجانب الفعّال للغة.. ويصف كتاب "القواعد النحوية  لبورتو رويال " المنشور عام 1660 اللغة بأنها تستعمل  لإيصال أفكار الناس فيما بينهم ، وتضيف أن اللغة لها أيضًا وظيفة تمثيلية لأنها يجب أن تشكل صورة للفكر لتمكين هذا التواصل.[34] ويرى الفيلسوف الألماني فيلهلم فون هومبولت أن الوظيفة الأساسية للغة ليست التواصل، بل تمثيل الفكر. و استنادا إلى  أعماله، عمّق  عالم النفس و منظر اللغة  كارل بوهلر الجوانب النشطة للغة وحاول التوفيق بينها و بين  لسانيات  سوسور (انظر علم اللغة البنيوي ) الذي تطور من  بداية القرن العشرين. و يستلزم نشاط الكلام متكلمًا ورسالة ومستقبلًا. في هذا النموذج، تؤدي اللغة ثلاث وظائف: وظيفة التمثيل (المحتوى المُبلغ عنه)، ووظيفة النداء (نحو المستقْبِل)، ووظيفة التعبير (للمتحدث الذي يعبر عن مواقفه، النفسية أو الأخلاقية).[35] و استكمل  هذا المخطط عالم اللغة  رومان جاكوبسون، الذي استلهم  الوظائف الثلاث التي وصفها بوهلر (وأعاد تسميتها بالوظائف المرجعية والإقناعية والتعبيرية) و أضاف إليها  ثلاث وظائف أخرى:: الما فوق اللغة (الإشارة إلى رمز اللغة أثناء الكلام)، والشعرية (اعتبار الكلام غاية في حد  ذاته) و الانتباهية  (الجهد المبذول للحفاظ على الاتصال مع المتحدث).[36]

أصبحت دراسة اللغة واللسانيات علما انطلاقا من أول الأوصاف النحوية  للغات المحددة في الهند ، منذ حوالي 2000 عام، بعد تطوير الكتابة البراهمية . علم اللسانيات الحديث هو علم يهتم بجميع جوانب اللسان  واللغات، من خلال فحطها من  وجهات النظر متعددة .

التخصصات

علم اللسانيات

أصبحت دراسة اللغة واللسانيات علما انطلاقا من أول الأوصاف النحوية  للغات المحددة في الهند ، منذ حوالي 2000 عام، بعد تطوير الكتابة البراهمية . علم اللسانيات الحديث هو علم يهتم بجميع جوانب اللسان  واللغات، من خلال فحطها من  وجهات النظر متعددة.[37]

اللغة هي موضوع دراسة علمية أو أكاديمية في العديد من التخصصات، ويتم تناولها من زوايا نظرية شتى ، والتي تسمح جميعها ببناء المقاربات الحديثة لعلم اللسانيات. على سبيل المثال، تدرس اللسانيات الوصفية  قواعد اللغات الفريدة. و  تُطور اللسانيات النظرية  تصورات حول أفضل طريقة لفهم وتعريف طبيعة اللغة بناءً على البيانات المجمعة من مختلف اللغات البشرية الموجودة. و يدرس علم اللغة الاجتماعي  كيفية استخدام اللغات لمقاصد  اجتماعية، مما ساهم في  دراسة الوظائف الاجتماعية للغة ووصف القواعد النحوية  . تدرس علم اللغة العصبي كيف يعالج الدماغ البشري اللغة، مما يسمح باختبار النظريات تجريبياً. و تعتمد معالجة اللسانيات الحاسوبية  على اللسانيات النظرية والوصفية، لبناء نماذج حاسوبية للغات والتي غالبًا ما تكون مخصصة لتحليل اللغة الطبيعية واختبار الفرضيات اللغوية. و تعتمد اللسانيات التاريخية على أوصاف قواعدية و  معجمية خاصة باللغات لتتبع تاريخها الفردي وإعادة بناء أشجار العائلات اللغوية باستخدام مناهج مُقارنة.[16]

فلسفة اللغة

اهتمت الفلسفة باللغة منذ عهد أفلاطون وأرسطو.[38] يقول أرسطو تستطيع الحيوانات التعبير عن اللذة أو الألم، لأنهما إحساسان، و لكن لا تسطيع التعبير عن العدل أو الظلم، كونهما فكرتان (وهذا هو السبب في أن الإنسان، والإنسان وحده ، هو "حيوان سياسي").[39] والفكر كما قال أفلاطون هو "حوار الروح مع نفسها".[40][41] و يقول ديكارت ، أن اللغة وحدها (في شكل كلمات ممفصلة أو أي نظام آخر معادل من العلامات) قادرة على صياغة الأفكار ونقلها إلى الآخرين[42][43][44] و بالنسبة للفيلسوف الفرنسي، فإن الإنسان، و من خلال اللغة، "يعبر عن أفكاره بحرية دون أن تتحكم فيه المنبهات الخارجية" ».[45] و شرح فلاسفة آخرون أسباب هذا الارتباط المميز بين الفكر واللغة توماس هوبز ، جان جاك روسو ، أو مؤخرًا جول جيليرون ). : فليست اللغة مجرد تعبير عن الفكر فقط ؛ بل هي  نقطة انطلاقه وأداته.[46][47][48]

التحليل النفسي

تحتل اللغة مكانًا مهمًا في التحليل النفسي ويعزى ذلك للعلاقة الوثيقة بين اللغة والفكر. وفي العلاج بالتحليل النفسي  يتم التركيز أولا على" خطاب » المريض و الذي يستمع إليه المحلل.  و في كتابه  مقدمة في التحليل النفسي ، يشير  سيغموند فرويد إلى أي مدى يمكن أن تتغير الحالة العاطفية للفرد بفعل كلمات ينطقها المحبوب أو رئيس العمل. و يؤكد  أيضًا، في كنابه  علم النفس المرضي للحياة اليومية ، أن الأخطاء اللغوية [49] ، مثل زلات اللسان [49] ، لا تحدث بالصدفة، ولكنها تعبير عن اللاوعي أو عن الرغبة اللاشعورية . في كتابه  تأويل  الأحلام (1900)، يظهر من خلال عمل  الأحلام أن الكلمات يمكن أن ينظر إليها مثل الأشياء، كما هو الحال في الذهان »  العابر  :[50] و كذلك الامر في الفصام: يتم معاملة تمثلات الكلمة نفسها كما تعامل  تمثلات الأشياء » ( العملية الأولية ) و نفس الأمر  في حالة الحلم « بعض الجمل المنطوقة في حالة اليقظة تخضع بعض العبارات التي قيلت في حالة اليقظة إلى التكثيف  و الإزاحة تمامًا مثل تمثلات الأشياء ».[51]

مع إدخال مفهوم الدال ، صاغ جاك لاكان وبيّن  وظيفة "اللغة" » في نظريته الخاصة، وذلك من منظور بنيوي . وقد أعاد لاكان أعمال   فرديناند دي سوسير حول الدال و المدلول ، ولكنه قلب العلاقة بينهما:  فقد قرر  أن الدال يسبق المدلول من وجهة نظر نفسية، وبالنسبة إلى لاكان، فإن الطفل ينغمس منذ ولادته في اللغة و الصور الصوتية (الدلالات)، التي لا يتمكن من الوصول إليها على الفور، ولكنها تشكل نفسيته . وقد لخص لاكان ذلك قائلا: " اللاوعي مركب مثل اللغة"  .  وقد تعرضت هذه الأطروحة إلى النقد من قبل مؤلفين آخرين، ومن بينهم الفيلسوف و المحلل النفسي جان لابلانش [52] ، [54] .

علم النفس

يضم علم النفس تخصصات متعددة تهتم باللغة البشرية بأهداف متنوعة ومنهجيات عديدة  أيضا:

  • علم اللغة النفسي هو التخصص العلمي الذي يهتم بالعمليات العقلية تسمح  باللغة بصورة مستقلة عن طريقة اللغة.[55] و ظهر علم اللغة النفسي بين عامي 1951 و 1964، وهو تاريخ صدور أول كتاب عن هذا الموضوع.[56] و يمكن تعريفه بأنه "دراسة عمليات إنتاج واستقبال الكلمات في أشكالها ومعانيها وبنياتها النحوية لدى البالغين  الأصحاء".
  • علم النفس المعرفي للغة هو تخصص قريب كثيرًا من علم اللغة النفسي إلى درجة أن بعض المؤلفين لا يميزون بينهما. ومع ذلك، يميز بعض المؤلفين بين هذين التخصصين: حيث يعتبرون علم اللغة النفسي نواة علم النفس المعرفي للغة، وبينما يشير مصطلح علم النفس المعرفي  للغة إلى مواضيع البحث التي تعتبر أكثر هامشية: اكتساب اللغة ، أمراض اللغة (انظر اضطراب اللغة )، الأسس العصبية للغة وأبعادها النصية,.[56][57]
  • علم الصوتيات النفسي هو الدراسة العلمية لخصائص الأصوات، والتي تشمل السمع البشري والتعرف على الأصوات.[58] يدرس علم نفس النمو اكتساب اللغة من فترة ما قبل الولادة  حتى سن البلوغ، فضلاً عن تعلم الكتابة .
  • التفاعلية الاجتماعية  اللغوية هو تيار نظري في علم نفس اللغوي يهدف إلى فهم الدور الأساسي للغة في التنمية البشرية.

أدت التطورات التكنولوجية دورًا مهمًا في التقدم العلمي لهذه التخصصات من خلال السماح بوصف العمليات المعرفية التي تجري بدقة متزايدة. و على سبيل المثال، سمحت التطورات في قياس الحركة العينية  (oculométrie) بدراسة التثبيتات والانتقالات العينية  أثناء القراءة.[59] كما تؤخذ بعين الاعتبار  تقنيات التصوير الدماغي  أيضًا من قبل علم النفس المعرفي، لدرجة  أن مجال علم النفس المعرفي "قد يندمج" مع العلوم العصبية المعرفية، حيث أصبحت  العلاقات بين التخصصين وثيقة للغاية[60]

علم الأعصاب، علم الحبسة ، وعلم الأعصاب الإدراكي

تتكامل الأساليب   والتطورات العلمية المستمدة من علم الأعصاب مع العلوم المعرفية واللسانيات في مجال علم اللغة العصبي,[61][62] وعلم النفس اللغوي العصبي أو علم النفس اللغوي العصبي المعرفي.[63] و علم اللغة العصبي هو حقل   متعدد التخصصات نشأ من علم الأعصاب وعلم الحبسة  في القرن التاسع عشر. و يمكن تعريفه بأنه "دراسة العلاقات بين اللغة والدماغ"  ( study of language-brain relationships ) [64] و منذ القرن التاسع عشر، قام أطباء بإجراء ملاحظات سريرية على مرضى يعانون من اضطرابات اللغة ، وخاصة   الحبسات  ، واستنتجوا منها نظريات حول الأسس البيولوجية للغة.[65]

في القرن العشرين، أكملت تقنيات التصوير الدماغي أولى أساليبها   السريرية  . فهي تسمح بربط الأعراض التي لوحظت سريريًا، مثل أعراض فقدان القدرة على الكلام  ، بالآفات الدماغية  التي لوحظت باستخدام تقنيات مثل  الإستجابات المُسْتحثة  potentiels évoqués  من خلال تقنيات التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني فحص PET ومسح الدماغ بالتصوير بالإشعاع السيني المحوسب TEMP scans ، ويتم استكمال الدراسات على المرضى بدراسات على الأشخاص الذين ليس لديهم أمراض ، حيث يسمح التصوير الدماغي أيضًا بمراقبة التغيرات الأيضية والفسيولوجية في الدماغ أثناء استخدام اللغة.[65]

الأدب

يعود تاريخ الأدب ودراسة الأدب إلى العصور القديمة. منذ ذاك ، تتم دراسة خلق اللغة المكتوبة بشكل أساسي من ثلاثة جوانب: و تهتم الشعرية ، التي استهلها  أرسطو بالبعد الفني للغة. و تعتني البلاغة بالإمكانات اللازمة لإنتاج خطاب فعال، و تروم  تحسين فن الخطابة المستخدم على نطاق واسع في الحياة العامة. و الهرمنيوطيقا هي فرع معرفي يهتم بتفسير النصوص المكتوبة ،  أولاً النصوص الدينية أو المقدسة ، ثم بعد ذلك بالنصوص الدنيوية  أيضًا. في عصر النهضة ، و تم استبدال الهرمنيوطيقا تدريجياً بفقه اللغة [66]

فقه اللغة الحديث هو

  • فن تأويلي  في خدمة فهم النصوص، ويُعرَّف هذا الأخير بأنه إعادة بناء للمعنى القصدي، أي المعنى المقصود للنصوص من قبل المؤلف،.

— أوسوالد دوكرو، 1995[67]

يميز السيد. ح. أبرامز أربعة جوانب للتحليل الأدبي، اعتمادًا على ما إذا كان التركيز ينصب على الكاتب، أو العمل المُنشئ، أو الواقع الذي يشير إليه  العمل، أو الجمهور. وهي على التوالي النظريات التعبيرية، والموضوعية (بما في ذلك الشعرية)، والمحاكاة (المرتبطة بالهرمنيوطيقا)، والتداولية (بما في ذلك البلاغة). و قد تتطور النظريات التعبيرية بشكل خاص منذ عصر الرومانسية[67]

تشريح فهم الكلام وإنتاجه

المناطق المشاركة في خلق  وفهم اللغة:: التلفيف الزاوي باللون البرتقالي، التلفيف فوق الهامشي باللون الأصفر، منطقة بروكا باللون الأزرق، منطقة فيرنيكه  باللون الأخضر و القشرة السمعية الأولية باللون الوردي.

يعد الكلام  المنطوق هو الوسيلة الافتراضية للغة في جميع الثقافات، ويعتمد استقباله على الجهاز السمعي. و يستند  توليد اللغة المنطوقة على قدرات متطورة للتحكم في الشفتين واللسان (العضو) ومكونات أخرى من الجهاز الصوتي، و القدرة على   فك تشفير نبرات  الكلام  صوتيًا ، والجهاز العصبي اللازم لاكتساب و توليد  اللغة.[68] و في عام 2014، كانت دراسة الأسس الجينية للغة البشرية لا تزال في مرحلة مبكرة: و تبين أن الجين الوحيد الضالع بوضوح في إنتاج اللغة هو FOXP2 [69] ، والذي يمكن أن يسبب نوعًا من اضطراب اللغة الخلقي إذا كان الشخص حاملًا طفرات فيه.[70]

الدماغ هو مركز تنسيق جميع الفعاليات  اللغوية. فهو يتحكم في إنتاج الفهم اللغوي والمعنى، زيادة على  آليات إنتاج الكلام. و لا تزال معرفتنا  بالأساسيات العصبية للغة  قاصرة  إلى حد ما. ومع ذلك، فقد تطورت بشكل هائل منذ استخدام تقنيات التصوير الجديدة. و يُعرف التخصص في اللسانيات   الموجه   لدراسة الجوانب العصبية للغة باسم علم اللغة العصبي.[71]

وقد ركزت الأعمال الأولى في علم اللغة العصبي على دراسة اللغة لدى المرضى الذين أصيبوا بسكتة دماغية، وأحيانًا لدى المرضى الذين خضعوا لعملية جراحية أو أصيبوا بعدوى أو حادث أو أورام دماغية.  و مع التقدم التكنولوجي في نهاية القرن العشرين، ساهم التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (MFRI) و الإلكترو فيزيولوجي في فهم أفضل للعمليات اللغوية لدى الأشخاص غير المعاقين.[72]

عند الغالبية العظمى من الأشخاص، تقع المعالجة اللغوية في نصف  الدماغ الأيسر  ، سواء كان شخصا أيمن  أو أعسر  . فعند الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليمنى، فإن 4٪ فقط لديهم معالجة لغوية في نصف الدماغ  الأيمن، ويزداد هذا المعدل ولكن يظل منخفضًا عند الأشخاص الذين يستخدمون كلتا اليدين (15٪) والأشخاص الذين يستعملون اليد اليسرى (27٪). و يؤدي  نصف الدماغ  الأيمن دورًا أقل أهمية في اللغة، ولكنه مع ذلك يشارك في فهم بعض المعلومات وتنظيمها (على سبيل المثال أثناء النشاط السردي) [73]

تقع منطقة بروكا هي منطقة في الجزء الخلفي من الفص الجبهي السفلي من نصف الكرة المخية الأيسر. و  غالبًا ما يعاني الأشخاص المصابون بآفة  في هذه المنطقة الدماغية (ولكن ليس دائمًا) بحبسة تعبيرية اكتشفها بول بروكا عام 1861. و يعرف الأشخاص المصابون بحبسة  بروكا ما يريدون قوله، ولكن يواجهون  صعوبات  كبيرة في التحدث. مع أن   فهمهم للغة هو فهم  جيد نسبيًا. و قد  يواجهون مشاكل في الطلاقة، والتلفظ، وصعوبة في إيجاد الكلمات، وتكرارها، ومشاكل في إنتاج وفهم الجمل النحوية المعقدة، سواء شفهيًا أو كتابيًا. كما  تتأثر القواعد والمعلومات النحوية بشكل خاص.[73]

أظهرت الأبحاث التي أجريت العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أن التلف في  منطقة بروكا لا يؤدي بالضرورة إلى اضطرابات لغوية من نوع الحبسة الكلامية.[74][75][76][77] فقد لوحظ أن الحبسة الكلامية في منطقة  بروكا تحدث فقط عندما تتضرر مناطق أخرى أيضًا.[78] ، بالإضافة إلى منطقة بروكا، هناك مناطق أخرى تشارك في إنتاج اللغة، مثل: الجزيرة[79][80] والمناطق المحيطة بمنطقة بروكا في الفص الجبهي،إضافة إلى شبكات المادة البيضاء المرتبطة بهذه المناطق، كما أن تلف  العقد القاعدية، وخاصة رأس  النواة المذنبة ، يمكن أن يؤدي إلى حسبة كلامية  تشبه الحسبة الكلامية الخاصة بمنطقة  بروكا.[78] زيادة على  ذلك، من الممكن استخدام لغة نحوية صائبة (أو شبه صحيحة) في غياب منطقة بروكا في الدماغ. و يبدو أن هذه المنطقة مكرسة بشكل أساسي للوظائف المعرفية عالية المستوى للغة، وليس لجميع جوانب اللغة (الحركية، التركيبية).[81]

تقع منطقة فيرنيكه في الجزء الخلفي من الفص الصدغي العلوي، في نصف الكرة المخية المسيطر. و يعاني الأشخاص الذين يعانون من تلف في هذه المنطقة من الدماغ من الحبسة الاستقبالية  التي تفضي إلى اضطراب كبير في فهم اللغة، بينما يحافظ الكلام على إيقاع يبدو طبيعيًا  و تراكيب جملية  طبيعية نسبيًا.[82] و كما هو الحال  مع منطقة بروكا، سمح التقدم التكنولوجي بتحسين الاكتشافات حول حبسة  فيرنيكه والمنطقة الدماغية التي تحمل الاسم نفسه. و تتعرض عدة مهارات معرفية للاضطراب: مثل التعرف على الكلمات المنطوقة (توصف أيضًا بأنها صمم لفظي صمم اللفظي)، وفهم معنى الكلمات، وإمكانية تحويل الأفكار إلى كلمات.[83]

تؤثر الحبسة التعبيرية والاستقبالية أيضًا على استخدام لغة الإشارة، بطريقة مماثلة لطريقة تأثيرها على الكلام. و تسبب الحبسة التعبيرية في  إنتاج لغة إشارة بطيئة و مليئة بالأخطاء النحوية، بينما تُظهر الحبسة  الاستقبالية سهولة في الإشارة ، ولكن علاماتها لا معنى لها للأشخاص الذين يشاهدونها ، وتواجه الشخص المصاب صعوبة في فهم العلامات الأخرى. وبالتالي، يؤثر العجز بشكل محدد على القدرات المرتبطة باللغة، وليس على الفسيولوجيا المستخدمة لإنتاج الكلام,.[84][85]

الجهاز المفصلي

يسمح الطيف الصوتي بمقارنة ودراسة خصائص النبرات  المختلفة للصوت.

يعتمد الكلام على قدرة الإنسان الجسمانية  على إنتاج أصوات، وهي موجات طولية تنتشر في الهواء بتردد قادر على جعل طبلة الأذن تهتز. و تعتمد هذه القدرة على وظائف الفسيولوجيا البشرية الخاصة بأعضاء الكلام. و تتكون هذه الأعضاء من الرئتين، وصندوق الصوت (الحنجرة)، والجزء العلوي من الجهاز الصوتي : الحلق والفم والأنف. ومن  خلال التحكم في الأجزاء المختلفة من الجهاز الصوتي، يتم معالجة تدفق الهواء لإنتاج نبرات الكلام المختلفة.[86]

يمكن تحليل صوت الكلام  وتفكيكه إلى مجموعة من الوحدات المنفصلة </link> (  والوحدات فوق  قطعيّة  .و العناصر المقطعية هي تلك التي تتبع بعضها البعض في شكل تسلسلات. وعادة ما يتم تمثيلها بالحروف في الكتابات الأبجدية، مثل الكتابة اللاتينية . وأثناء إنتاج اللغة الطبيعي، ولا توجد فواصل  مسموعة بين الكلمات. لذا، يتم تمييز المقاطع بأصواتها المميزة التي هي نتيجة تمفصلاتها المختلفة، ويمكن أن تكون إما حروف علة أو حروف ساكنة. تشمل الظواهر فوق قطعيّة عناصر مثل النبر  ، ونوع النطق، والصوت ، والصدى ، والنغمة أو اللحن ، والتي يمكن أن يكون لها جميعها تأثيرات على مجموعات من المقاطع.[86] و تتحد الحروف الساكنة والحروف المتحركة لتكوين المقاطع ، والتي بدورها تندمج لتكوين العبارات. و يمكن تمييزها من الناحية الصوتية بالمسافة  بين تنفسين. و صوتيًا ، تتميز هذه المقاطع بتراكيب مختلفة، وهي التشكيلات ، التي تظهر في الطيف  الصوتي عند  تسجيل الموجة الصوتية ، و التشكيلات هي سعة القمم في الطيف الترددي للصوت,.[86][87]

الحروف الصوتية  هي أصوات لا تحتوي على احتكاك مسموع يسببه تضيق أو انسداد جزء من الجهاز الصوتي العلوي. و تختلف حسب درجة فتح الشفاه و وضع اللسان في تجويف الفم ، و تُقسم حروف العلة إلى قسمين: مغلقة ومفتوحة. تُنتج حرف العلة المغلقة عندما تكون الشفاه مقفلة نسبيًا، مثل نطق الحرف [إ] في الكلمة العربية " إِبْن ". و تُنتج حرف العلة المفتوح مع الشفاه مفتوحة نسبيًا، مثل نطق حرف العلة  [أ] في الكلمة الفرنسية "أب". إذا كان اللسان يقع في مؤخرة الفم، فإن النوعية  تتغير وتخلق صوتًا آخر، مثل [أُ] في الكلمة الفرنسية " أُمُ ". و تتغير الجودة أيضًا حسب ما إذا كانت الشفاه مستديرة  مقابل الشفاه غير مستديرة، و مما يخلق فروقات مثل تلك الموجودة بين [إ] (حرف أولي غير مستدير كما في الكلمة العربية  " إِبْن ". و في اللغة الفرنسية : حرف [y] و هو حرف علة ينطق بشفاه مستديرة  كما في الكلمة الفرنسية "tu" أو حرف العلة الذي ينطق كذلك بشفاه  مستديرة أولية  كما في اللغة الالمانية "ü")[88]  

مواضع نطق الكلام : الشفتان (1 و 2)، الأسنان (3)، الحافة السنخية (4)، الحنك (الجزء الصلب، 5 و 6)، الحنك الرخو (الجزء الرخو، 7)، اللهاة (الجزء المركزي، 8)،و مزمار (11) ) المنفتح على الحبال الصوتية.

الأصوات الساكنة هي الأصوات التي يحدث فيها احتكاك أو غلق مسموع في لحظة معينة ، في الجزء العلوي من الجهاز الصوتي. و تختلف الأصوات الساكنة حسب موقع النطق، أي الموضع في مجرى الصوت، حيث يتم حبس تدفق الهواء. ويحدث هذا الانسداد بشكل شائع على مستوى الشفاه، والأسنان، والحافة السنخية، أو الحنك أو الحنك الرخو أو اللهاة أو المزمار . و ينتج كل موضع نطق مجموعة مختلفة من الأصوات الساكنة، والتي يتم تمييزها مرة أخرى حسب طريقة النطق : و نوع الاحتكاك، وكون الاقفال كاملاً، وفي هذه الحالة يسمى الحرف الساكن مغلقًا ، أو حتى درجات مختلفة من الفتح لإنشاء الأصوات الاحتكاكية  و الأصوات الزفيرية . و يمكن أن تكون الأصوات الساكنة أيضًا أصواتا المُوَسَّوْنَة أوغير المُوَسَّوْنَة ، حسب ما إذا كانت الأوتار الصوتية تهتز مع تدفق الهواء. و يخلق هذا الصوت الفرق بين [s] في كلمة bus ( صوت صفيري غير صوتي  ) وحرف [z] في كلمة Buzz ( صوت صفيري صوتي ).[86]

تتضمن بعض أصوات الكلام، سواء كانت أحرفًا ساكنة أو أحرفا متحركة، مرور تدفق هواء عبر التجويف الأنفي : وهي الحروف الساكنة الأنفية والحرو ف المتحركة الأنفية. أما الأصوات الأخرى فهي محددة بالطريقة التي يتحرك بها اللسان في الفم: فهناك الحروف الساكنة الجانبية (يمر الهواء على جانبي اللسان) الحروف الحروف الساكنة الراء (حيث يتحرك اللسان بالنسبة لتدفق الهواء).[86]

و من خلال استخدام جميع هذه الأعضاء، ينتج الإنسان مئات الأصوات المختلفة. و يتضح  بعضها بشكل متكرر في العديد من اللغات في جميع أنحاء العالم، و بينما يكون البعض الآخر أكثر شيوعًا في عائلات اللغات أو المناطق، أو حتى قد يكون محددًا بلغة معينة.[89]

البنية

عندما تُوصف اللغة بأنها نظام تواصل رمزي، فإنها ينظر إليها تقليديًا على أنها تتكون من ثلاث أجزاء: علامات ، ومعان ، و رموز  تربط العلامات بمعانيها. وتُعرف دراسة عملية السيمياء ، وكيفية الجمع بين العلامات والمعاني واستخدامها وتفسيرها، ب: السميوطيقا . و يمكن أن تتكون العلامات من أصوات أو إيماءات أو حروف أو رموز، اعتمادا على ما  إذا كانت اللغة منطوقة أو لغة الإشارة أو مكتوبة. ويمكن دمجها في علامات معقدة، مثل الكلمات والجمل. و عند استخدامها في التواصل، يتم ترميز العلامة وإرسالها عن طريق المرسل عبر قناة إلى المستقبل الذي يقوم بفك تشفيرها.[90]

تتميز اللغة البشرية ببعض الخصائص عن غيرها من أنظمة الاتصال.، ومنها أن العلامات اللغوية اعتباطية، أي أن العلاقة بين العلامة اللغوية والمعنى لا يمكن توقعها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن ازدواجية النظام اللغوي البشري فريدة من نوعها. وتعني الازدواجية هنا أن البنيات اللغوية يتم بناؤها عبر دمج العناصر في هياكل أكبر يمكن النظر إليها على أنها طبقات: على سبيل المثال، الأصوات تبني الكلمات والكلمات تنشئ الجمل. كما أن القطائع بين العناصر اللغوية فريدة من نوعها أيضا، أي أن العناصر التي تُبنى منها العلامات اللغوية هي وحدات منفصلة (مثل الأصوات والكلمات) يمكن تمييزها عن بعضها البعض وترتيبها وفقًا لنماذج مختلفة. وأخيرا، يتميز للنظام اللغوي البشري عن غيره من الأنظمة ب "الإنتاجية" ، أي أن وحدات لغوية محدودة العدد يمكن أن تُألف ، نظريًا، في عدد لا نهائي من التركيبات.[90]

تسمى القواعد التي يتم بموجبها دمج العلامات لتكوين كلمات وجُمل ب: النحو أو القواعد النحوية. ويسمى المعنى الذي يرتبط بالعلامات الفردية، والمورفيمات، والكلمات، والجمل، والنصوص ب: بالدلالة [91]  ،  و يعود تقسيم اللغة إلى نظام من العلامات المنفصلة لكنها مرتبطة بنظام من الدلالة إلى الدراسات اللغوية الأولى لسوسير ، وتُستخدم حاليا في جميع فروع اللسانيات تقريبًا[92]

مراجع